ولا حيّة ، وكان الغريب إذا دخل بلدهم ، وفي ثيابه قمل ودواب ماتت ، إلى غير ذلك من الأقوال.
وكانت كل هذه النعم الوافرة تقول لهم بلسان ربهم الذي أودع في قلوبهم سرّ الوحي بالإيمان ، والمعرفة بالله والشكر له ، (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) بالكلمة المنفتحة على نعمه ، المعترفة بفضله ، وبالعمل الصالح الذي يتجسد فيه رضاه ، ويلتقي بالمعنى الإيماني العميق المتصل به في كل مواقع نعمه ، (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) في مائها وهوائها وثمارها وروائحها ، (وَرَبٌّ غَفُورٌ) في ما يوحي به معنى الغفران ، من الرحمة والعطف والحنان الإلهي الذي لا ينتظر فيه الرب عباده ليخطئوا حتى يعاقبهم ، بل إنه ينتظرهم ليرجعوا إليه ـ بعد الخطأ ـ ليغفر لهم. ومن خلال ذلك فإن الآية توحي للناس بأن بإمكانهم الاطمئنان للاستمرار في حياتهم ، بالانفتاح على النعم الوافرة الطيبة التي يغدقها الله عليهم ، من خلال رحمته وعفوه ومغفرته ، ورعايته لهم في كل أمورهم الخاصة والعامة ، فليسوا مهملين ، وليسوا ضائعين ، لأن الربّ الذي خلقهم ، لن يتركهم للضياع ، ولن يقسو عليهم بالعقاب ، ما دام هناك شكر واع للنعمة ، وحركة منطلقة في خط الإيمان. وهذا هو النداء المتحرك الدائم في كل عصر ومصر ، لأن الله لا يزال يتعهّد عباده بنعمه ، ويدعوهم إلى شكره ، لأن ذلك هو الذي يفتح قلوبهم عليه ، من خلال حاجتهم إليه ، ويفتح حياتهم على وحيه وشريعته من خلال إيمانهم الواعي العميق بربوبيته.
أيها الناس ، لقد رزقكم الله نعمة الحياة في نعمة الوجود ، ونعمة الاستمرار في الحياة من خلال ما أودعه من مفردات النعم الكثيرة في نعمة البقاء ، فاغترفوا من ينابيع نعمه ، وكلوا من مائدته ، واشكروا له ، فأنتم في الكون الواسع الممتد تعيشون في بلدة طيبة ، تحتوي نعما طيبة ، وتتحركون في عناية رب غفور ، يغفر لكم ذنوبكم ، ليضمكم إلى كنف رحمته.