فيه. إنها تتحرك أمامنا روحا حية تتجسد في الكلمة التي تجسد في حركتها الفكرة ، حيث تنطلق في رحابها كل قيم الروح ، وتنفتح في آفاقها كل ألطاف الله ، في ما يرحم به عباده. إنها أمامنا ، فيجب أن لا نعرض عنها ، ولا ننساها ، ولا نواجهها بأسلوب اللامبالاة ، ولا نتجمد في نطاق حروفها لنقف عند سر البلاغة فيها ، أو لنبدع لها ألحانا تسحرنا أجواؤها بحيث تلتقي الكلمة الحلوة بالصوت الشجي ، بل علينا أن ننطلق في رحابها الواسعة الشاملة المطلقة من رحاب الله ، لنأخذ من قاعدتها الفكرية حركات امتداد الساحة ، على أكثر من صعيد ، ولنبدع من روحها أكثر من روح تصفو وتخشع وتناجي وتمتد ، وتبدع وتحنو وتواجه وتتحدى وتسالم وتحارب وتفكر وتحاور وتهدي وتعلم ، من خلال روح الله التي أفاض منها على الحياة رحمة ولطفا وحبا وسلاما.
علينا أن نواجه آيات الكتاب من موقع المسؤولية النابع من وعي الحركة في العمق وامتداد الدعوة وثورة الهدى. إنها إيحاءات الإشارة الإلهية إلى نبيّه ، إذ يريد منه أن تتحد شخصيته مع الناس في طاعتهم لله وانسجامهم مع وحيه ، لأنه يريد أن يكون فكرهم فكره وشريعتهم شريعته ، وأسلوبهم أسلوبه ، وأخلاقهم أخلاقه ، ومنهجهم منهجه. ولهذا كان يخاطبهم من خلاله ، ويحدّثهم بما يحدثه به ، حتى أنه يلطف بهم في الخطاب من خلال لطفه بالرسول ، ويعنف بهم من خلال تعنيفه له.
وهكذا كانت الإشارة للتأمل والاستيحاء والانفتاح ، ليدرك الناس مواقع الحق في كلماته ومفاهيمه وآفاقه ، في مواجهة من يريدون إثارة الضباب حول الكتاب ، ليوحوا للناس بأنه يمثل الباطل ، وليأتي التأكيد بأنه الحق منسجما مع الإيحاء الذاتي الذي يختزن الحكم من خلال الجو العام.
* * *