المسألة الأولى من
الأصل الثاني
في بيان معنى العالم
وحقيقته
العالم عند
أصحابنا كل شيء هو غير الله عزوجل. والعالم نوعان : جواهر وأعراض. والجواهر كل ذي لون.
والأعراض هي الصفات القائمة بالجواهر من الحركة والسكون والطعم والرائحة والحرارة
والبرودة والرطوبة واليبوسة وسائر الأعراض [فإذا قلنا العالم محدث أردنا به حدوث الجواهر
والأعراض] وزعم بعض أهل اللغة أن العالم كل ما له علم وحس [ولم يجعل الجمادات من
العالم]. وقال آخرون انه مأخوذ من العلم الذي هو العلامة وهذا أصح لأن كل ما في
العالم علامة [دالة] على صانعه وقد اختلف المفسرون في العالم فمنهم من قال لله
تعالى ثمانية عشر ألف عالم واحد منها مثل العالم المحسوس [أو أكبر منه] ومنهم من
قال بتسعين ألف عالم ومنهم من قال بألف عالم وتأولوا على ما ذكروا من العدد قوله عزوجل : (رَبِّ الْعالَمِينَ). وقولنا إن العالم جملة الجواهر والأعراض شامل للأعداد
التي ذكروها. وقد قال بعض الحكماء إن كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم
الصغير الذي هو بدن الإنسان. ولذلك قال الله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) قال أيضا (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا
تُبْصِرُونَ) فحواس الإنسان أشرف من الكواكب المضيئة. والسمع والبصر
منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بهما وأعضاؤه تصير عند البلى ترابا من
جنس الأرض وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات البدن ومن جنس الهواء فيه الريح
والنّفس ومن جنس النار فيه مرّة الصفراء. وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض وكبده
بمنزلة العيون التي تستمدّ منها الأنهار لأن العروق تستمد من الكبد ومثانته بمنزلة
البحر لانصباب ما في أوعية البدن إليها كما ينصبّ الأنهار إلى البحر وعظامه بمنزلة
الجبال التي هي أوتاد الأرض وأعضاؤه كالأشجار فكما أن لكل شجرة ورقا وثمرة فكذلك
لكل عضو فعل وأثر.
__________________