القلوب اختراعا من غير سبب يتقدّمها من نظر واستدلال وزعم أن الإنسان غير مأمور بالمعرفة لكن من عرف الله عزوجل بالضرورة صار بالإقرار والطاعة مأمورا ، وزعم بعض الروافض : أن المعارف كلها ضرورية إلا أن الله تعالى لا يفعلها في العبد إلّا بعد نظر واستدلال كما أن الولد من فعله غير أنه لا يخلقه إلّا بعد وطئ الوالدين [وزعموا أن من لم يخلق الله له المعرفة لم يكن مأمورا وصار كالمخلوق للسحرة ولا اعتبار له يعني أنه يخلق لهم السحر بعد أخذهم بالعلم به ومن خلق له المعرفة صار بالطاعة مأمورا وعن أضداده مزجورا] وقالوا فيمن لم يعرف الله تعالى بالضرورة أنه غير مكلف وزعم آخرون منهم أن المعارف ضرورية غير أن من لم يعرف الله تعالى مأمور بالإقرار والطاعة [سواء عرف الله أو لم يعرفه ولا سبيل لمن لم يعرفه إلى العلم بمعرفته ولا إلى العلم بأنه قد كلفه] وزعم الجاحظ وثمامة أن المعارف ضرورية وأن الله عزوجل ما كلف أحدا بمعرفته وإنّما أوجب على من عرفه طاعته وكفاهما خزيا نجاة الجاحدين لله من عذابه مع قولهما بخلود الفاسق من عارفيه في النار. وزعم غيلان القدري أن معرفة الإنسان بأنه مصنوع وأن صانعه غيره ضروري [قد طبع عليه الإنسان في خلقته] وهو مأمور بعد ذلك بالمعارف في العدل والتوحيد والوعد والوعيد والشرعيات ، وقال أبو الهذيل : معرفة الله ومعرفة الدليل الداعي إلى معرفته بالضرورة وما بعدهما من العلوم الحسية والقياسية فهو علم اختيار وجائز أن يجعله الله تعالى ضروريا على نقض العادة. ويلزم غيلان وأبا الهذيل أن يكون الدهرية عارفة بالله تعالى ضرورة فيكونوا كمنكري الضرورات من السوفسطائية ولو كانوا كذلك لسقطت المناظرة معهم وهذا خلاف الدين فما يؤدي إليه خلافه أيضا.