المفسدة لا يكون نقصانا في العمر أو البدن والمال ( وعلى فرض ) تسليم حكم العقل بوجوب التحرز عن مثله يمنع كونه حكما مولويا يستتبع القبح واللوم ، بل هو ارشاد محض للتخلص عن الوقوع في المفسدة المحتملة نظير أوامر الطبيب ونواهيه ( ومع تسليم ) مولويته نفسيا أو طريقيا يمنع استتباعه للحكم الشرعي في صورة القطع بالمفسدة فضلا عن فرض احتمالها ، فان ذلك مبني على تمامية الملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وحكم الشرع بالوجوب والحرمة وهو في محل المنع لعدم كون مجرد تحقق المناط في الشيء علة تامة للتكليف به شرعا لاحتياجه إلى أمور اخر من فقد الموانع والمزاحمات الواقعية التي لا سبيل للعقل إلى دركها ( ومع الغض ) عن ذلك نقول انه يتم ذا إذا لم تكن المفسدة متداركة ، والا فلا حكم للعقل في مطلق الضرر والمفسدة ، كيف ولازمه هو عدم جريان البراءة في الشبهات الموضوعية أيضا لتحقق المناط المزبور فيها وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ، فلابد فيها من الالتزام ، اما بعدم وجوب دفع المفسدة المحتملة ، أو الالتزام بتخصيص الوجوب الضرر بالضرر غير المتدارك فبكلما يوجه ذلك يقال بمثله في الشبهات الحكمية أيضا ( حيث ) أمكن فيها دعوى الجزم بتدارك المفسدة على تقدير تحققها بمقتضى الأدلة المرخصة ، إذ يستكشف من اطلاقها جبران المفسدة المحتملة وتداركها على تقدير تحققها واقعا ، وبذلك لا يبقى موضوع للقاعدة المزبورة.
( ثم إن السيد أبو المكارم قده ) استدل في الغنية للبرائة بان التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق ( والظاهر ) ان المراد به كما استظهره الشيخ قده هو الاتيان بالعمل على وجه الإطاعة والامتثال بحيث كان الامر هو الداعي إلى اتيان العمل ، لا مجرد صدور العمل في الخارج كيفما اتفق ، والا فلا يكون ذلك مما لا يطاق بمجرد عدم العلم بالتكليف به ( وبيان ذلك ) ان الغرض من الامر المولوي لما كان هو داعوية الامر ومحركيته لايجاد العمل ولو بتوسيط حكم العقل بلزوم الإطاعة ، فلا جرم في مقام توجيه التكليف يحتاج إلى ايصال الخطاب إلى المكلف ليتمكن من اتيان المأمور به على وجه الإطاعة والامتثال ، والا فبدونه يستحيل توجيه التكليف الفعلي إلى المكلف بايجاد العمل لعدم تمكنه حينئذ من الايجاد عن دعوة الامر وعدم ترتب ما هو الغرض من الامر والخطاب