الذي توفّي فيه فأصابه مهتمّاً . . . فقال أبو بكر : إنّي ولّيت أمركم خيركم في نفسي ، فكلّكم ورم أنفه من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له دونه ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل وهي مقبلة حتّىٰ تتّخذوا ستور الحرير ، ونضائد الديباج ، وتألموا الاضطجاع علىٰ الصوف الأذري كما يألم أحدكم أن ينام علىٰ حسك السعدان ، والله لأن يُقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، وأنتم أوّل ضالّ بالناس غداً فتصدّونهم عن الطريق يميناً وشمالاً ، يا هادي الطريق ! إنّما هو الفجر أو البحر (١) .
وروىٰ البخاري في صحيحه ، عن هند بنت الحارث : إنّ أُمّ سلمة زوج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قالت : استيقظ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة فزعاً يقول : سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ ! وماذا أنزل من الفتن ؟ ! من يوقظ صواحب الحجرات ـ يريد أزواجه ـ لكي يصلّين ؟ ! ربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (٢) . .
قال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث : وفي رواية سفيان : ماذا أنزل الليلة من الفتن ؟ ! وماذا فتح من الخزائن ؟ ! قال ابن بطال في هذا الحديث : إنّ الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه القتال بسببه ، وأن يبخل به فيمنع الحقّ أو يبطر صاحبه فيسرف ، فأراد صلىاللهعليهوآلهوسلم تحذير أزواجه من ذلك كلّه ، وكذا غيرهنّ ممّن بلغه ذلك .
وقال ابن حجر في شرح « ربّ كاسية . . . » : واللفظة وإن وردت في أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لكنّ العبرة بعموم اللفظ ؛ كاسية للشرف في الدنيا لكونها
__________________
(١) لاحظ : الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ١٣١ ، تاريخ الطبري ٤ / ٥٢ ، الإمامة والسياسة ـ لابن قتيبة ـ ١ / ١٨ ، مروج الذهب ١ / ٤١٤ ، العقد الفريد ٢ / ٢٥٤ .
(٢) صحيح البخاري ٩ / ٨٨ ح ١٨ كتاب الفتن ب ٦ .