ومن هذا الباب ما يشاهد من خطاب عتاب مع الأنبياء في القرآن ، فإنها ليست أخطاء ومعاص في الشرع وحكم العقل ، وإنما هي من باب ترك الأولى في منطق القرب والزلفى ومقام المحبين.
الثالث : إن خطأ الميزان الظاهر المجعول في باب القضاء ، أو في باب الإمارة وتدبير الحكم ، ونحوهما مما يكون في الموضوعات الخارجية ، ليس من خطأ المعصوم ، كالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنه موظف في مصالح التشريع بالعمل بهذا الميزان في تلك الموضوعات الجزئية ، مما يتدارك خطأ الميزان الشرعي الظاهري بالمصالح الأخرى ، وأين هذا من الأحكام الكلية ومعرفة الشريعة؟!
وإذا فرض جهل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بها ـ والعياذ بالله تعالى ـ ، وتحريه لها بالاجتهاد الظني ، فأين الطريق إليها المأمون عن الخطأ؟! وما هو ميزان الصحة من الخطأ إذا كان الطريق مسدودا إلى الأبد ، إذ لا فاتح لما انسد على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أبواب العلم؟!
وهذا بخلاف باب الموضوعات الجزئية ، فإن طريق العلم بها مفتوح وراء ميزان القضاء والحكم.
الرابع : إنهم خلطوا بين السؤال الممدوح عن الأحكام ومعارف الدين كما في قوله تعالى : (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) (١) وقال : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (٢) ، وبين السؤال المذموم عن الأحكام والشريعة ، قال الله تعالى : (يا أيها
__________________
(١) سورة التوبة ٩ : ١٢٢.
(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٣ ، وسورة الأنبياء ٢١ : ٧.