(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٣)
____________________________________
أمر أو حرف نداء والثانى ضمير الأرض أو حرف تنبيه على أن كتابة صورة الحرف والتفلظ بغيره من خواص حروف المعجم كما مر فالحق ما سلف من أنها من الفواتح إما مسرودة على نمط التعديد بأحد الوجهين المذكورين فى مطلع سورة البقرة فلا محل لها من الإعراب وكذا ما بعدها من قوله تعالى (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) فإنه استئناف مسوق لتسليته صلىاللهعليهوسلم عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب فإن الشقاء شائع فى ذلك المعنى ومنه أشقى من رائض مهر أى ما أنزلناه عليك لتتعب بالمبالغة فى مكابدة الشدائد فى مقاولة العتاة ومحاورة الطغاة وفرط التأسف على كفرهم به والتحسر على أن يؤمنوا كقوله عزوجل (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) الآية بل للتبليغ والتذكير وقد فعلت فلا عليك إن لم يؤمنوا به بعد ذلك أو لصرفه صلىاللهعليهوسلم عما كان عليه من المبالغة فى المجاهدة فى العبادة كما يروى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يقوم بالليل حتى ترم قدماه فقال له جبريل عليهالسلام أبق على نفسك فإن لها عليك حقا أى ما أنزلناه عليك لتتعب بنهك نفسك وحملها على الرياضات الشاقة والشدائد الفادحة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة وقيل إن أبا جهل والنضر ابن الحرث قالا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إنك شقى حيث تركت دين آبائك وأن القرآن نزل عليك لتشقى به فرد ذلك بأنا ما أنزلناه عليك لما قالوا والأول هو الأنسب كما يشهد به الاستثناء الآتى هذا وإما اسم للقرآن محله الرفع على أنه مبتدأ وما بعده خبره والقرآن ظاهر أوقع موقع العائد إلى المبتدأ كأنه قيل القرآن ما أنزلناه عليك لتشقى أو النصب على إضمار فعل القسم أو الجر بتقدير حرفه وما بعده جوابه وعلى هذين الوجهين يجوز أن يكون اسما للسورة أيضا بخلاف الوجه الأول فإنه لا يتسنى على ذلك التقدير لكن لا لأن المبتدأ يبقى حينئذ بلا عائد ولا قائم مقامه فإن القرآن صادق على الصورة لا محالة إما بطريق الاتحاد بأن يراد به القدر المشترك بين الكل والبعض أو باعتبار الاندراج إن أريد به الكل بل لأن نفى كون إنزاله للشقاء يستدعى سبق وقوع الشقاء مترتبا على إنزاله قطعا إما بحسب الحقيقة كما لو أريد به معنى التعب أو بحسب زعم الكفرة كما لو أريد به ضد السعادة ولا ريب فى أن ذلك إنما يتصور فى إنزال ما أنزل من قبل وأما إنزال السورة الكريمة فليس مما يمكن ترتب الشقاء السابق عليه حتى يتصدى لنفيه عنه أما باعتبار الاتحاد فظاهر وأما باعتبار الاندراج فلأن مآله أن يقال هذه السورة ما أنزلنا القرآن المشتمل عليها لتشقى ولا يخفى أن جعلها مخبرا عنها مع أنه لا دخل لإنزالها فى الشقاء السابق أصلا مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل وقوله تعالى (إِلَّا تَذْكِرَةً) نصب على أنه مفعول له لأنزلنا لكن لا من حيث إنه معلل بالشقاء على معنى ٣ ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بتبليغه إلا تذكرة الآية كقولك ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا لما أنه يجب فى أمثاله أن يكون بين العلتين ملابسة بالسببية والمسببية حتما كما فى المثال المذكور وفى قولك ما شافهتك بالسوء لتتأذى إلا زجرا لغيرك فإن التأديب فى الأول مسبب عن الإشفاق والتأذى فى الثانى سبب لزجر