كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له إجمالا بإدخالها على أبعدها منه إما لوجود المانع كما فى قوله تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة وإما لعدم الشرط كما فى هذه الآية الكريمة ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية لما أن الشىء متى تحقق مع ما ينافيه من وجود المانع أو عدم الشرط فلأن يتحقق بدون ذلك أولى ولذلك لا يذكر معه شىء آخر من سائر الأحوال ويكتفى عنه بذكر الواو العاطفة للجملة على نظيرتها المقابلة لها والمتناولة لجميع الأحوال المغايرة لها عند تعددها وهذا معنى قولهم إنها لاستقصاء الأحوال على سبيل الإجمال وهذا أمر مطرد فى الخبر الموجب والمنفى فإنك إذا قلت فلان جواد يعطى ولو كان فقيرا أو بخيل لا يعطى ولو كان غنيا تريد بيان تحقق الإعطاء فى الأول وعدم تحققه فى الثانى فى جميع الأحوال المفروضة والتقدير يعطى لو لم يكن فقيرا ولو كان فقيرا ولا يعطى لو لم يكن غنيا ولو كان غنيا فالجملة مع ما عطفت هى عليه فى حين النصب على الحالية من المستكن فى الفعل الموجب أو المنفى أى يعطى أولا يعطى كائنا على جميع الأحوال وتقدير الآية الكريمة يكاد زيتها يضىء لو مسته نار ولو لم تمسسه نار أى يضىء كائنا على كل حال من وجود الشرط وعدمه وقد حذفت الجملة الأولى حسبما هو المطرد فى الباب لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة (نُورُ) خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى (عَلى نُورٍ) متعلق بمحذوف هو صفة له مؤكدة* لما أفاده التنكير من الفخامة والجملة فذلكة للتمثيل وتصريح بما حصل منه وتمهيد لما يعقبه أى ذلك النور الذى عبر به عن القرآن ومثلت صفته العجيبة الشأن بما فصل من صفة المشكاة نور عظيم كائن على نور كذلك لا على أنه عبارة عن نور واحد معين أو غير معين فوق نور آخر مثله ولا عن مجموع نورين اثنين فقط بل عن نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه بحد معين وتحديد مراتب تضاعف ما مثل به من نور المشكاة بما ذكر لكونه أقصى مراتب تضاعفه عادة فإن المصباح إذا كان فى مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره بسبب انضمام الشعاع المنعكس منه إلى أصل الشعاع بخلاف المكان المتسع فإن الضوء ينبث فيه وينتشر والقنديل أعون شىء على زيادة الإنارة وكذلك الزيت وصفاؤه وليس وراء هذه المراتب مما يزيد نورها إشراقا ويمده باضاءة مرتبة أخرى عادة هذا وجعل النور عبارة عن النور المشبه به مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) أى يهدى هداية خاصة موصلة إلى المطلوب حتما لذلك النور* المتضاعف العظيم الشأن وإظهاره فى مقام الإضمار لزيادة تقريره وتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية الناشئة من إضافته إلى ضميره عزوجل (مَنْ يَشاءُ) هدايته من عباده بأن يوفقهم لفهم ما فيه من دلائل* حقيته وكونه من عند الله تعالى من الإعجاز والاخبار عن الغيب وغير ذلك من موجبات الإيمان به وفيه إيذان بأن مناط هذه الهداية وملاكها ليس إلا مشيئته تعالى وأن تظاهر الأسباب بدونها بمعزل من الإفضاء إلى المطالب (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) فى تضاعيف الهداية حسبما يقتضى حالهم فإن له دخلا* عظيما فى باب الإرشاد لأنه إبراز للمعقول فى هيئة المحسوس وتصوير لأوابد المعانى بصورة المأنوس ولذلك مثل نوره المعبر به عن القرآن المبين بنور المشكاة وإظهار الاسم الجليل فى مقام الإضمار للإيذان