(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٧٨)
____________________________________
طُغْيانِهِمْ) إفراطهم فى الكفر والاستكبار وعداوة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين (يَعْمَهُونَ) أى عامهين عن الهدى روى أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفى ولحق باليمامة ومنع الميرة عن أهل مكة وأخذهم الله تعالى بالسنين حتى أكلوا العلهز جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال بلى فقال قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت والمعنى لو كشفنا عنهم ما أصابهم من القحط والهزال برحمتنا إياهم ووجدوا الخصب لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الإفراط فى الكفر والاستكبار ولذهب عنهم هذا التملق والإبلاس وقد كان كذلك وقوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) استئناف مسوق للاستشهاد على مضمون الشرطية والمراد بالعذاب ما نالهم يوم بدر من القتل والأسرو ما أصابهم من فنون العذاب التى من جملتها القحط المذكور واللام جواب قسم محذوف أى وبالله لقد أخذناهم بالعذاب (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) بذلك أى لم يخضعوا ولم يتذللوا على أنه إما استفعال من الكون لأن الخاضع ينتقل من كون إلى كون أو افتعال من السكون قد أشبعت فتحته كمنزاح فى منتزح بل أقاموا على ما كانوا عليه من العتو والاستكبار وقوله تعالى (وَما يَتَضَرَّعُونَ) ٧٧ اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أى وليس من عادتهم التضرع إليه تعالى (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) هو عذاب الآخرة كما ينبىء عنه التهويل بفتح الباب والوصف بالشدة وقرىء فتحنا بالتشديد (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أى متحيرون آيسون من كل خير أى محناهم بكل محنة من القتل والأسر والجوع وغير ذلك فما رؤى منهم لين مقادة وتوجه إلى الإسلام قط وأما ما أظهره أبو سفيان فليس من الاستكانة له تعالى والتضرع إليه تعالى فى شىء وإنما هو نوع خنوع إلى أن يتم غرضه فحاله كما قيل إذا جاع ضغا وإذا شبع طغا وأكثرهم مستمرون على ذلك إلى أن يروا عذاب الآخرة فحينئذ يبلسون وقيل المراد بالباب الجوع فإنه أشد وأعم من القتل والأسر والمعنى أخذناهم أولا بما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم فما وجد منهم تضرع واستكانة حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذى هو أطم وأتم فأبلسوا الساعة ٧٨ وخضعت رقابهم وجاءك أعتاهم وأشدهم شكيمة فى العناد يستعطفك والوجه هو الأول (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) لتشاهدوا بها الآيات التنزيلية والتكوينية (وَالْأَفْئِدَةَ) لتتفكروا بها ما تشاهدونه وتعتبروا اعتبارا لائقا (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أى شكرا قليلا غير معتد به تشكرون تلك النعم الجليلة لما أن العمدة فى الشكر صرف تلك القرى التى هى فى أنفسها نعم باهرة إلى ما خلقت هى له وأنتم تخلون بذلك إخلالا عظيما.