(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) (٤٧)
____________________________________
اقتصر على حكاية تكذيبهم إجمالا وأما القرون الأولون فحيث نقل عنهم ما مر من الغلو وتجاوز الحد فى الكفر والعدوان وصفوا بالظلم (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) هى الآيات التسع من اليد والعصا والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص الثمرات والطاعون ولا مساغ لعد فلق البحر منها إذ المراد هى الآيات التى كذبوها واستكبروا عنها (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أى حجة واضحة ملزمة للخصم وهى إما العصا وإفرادها بالذكر مع اندراجها فى الآيات لما أنها أم آياته عليه الصلاة والسلام وأولاها وقد تعلقت بها معجزات شتى من انقلابها ثعبانا وتلقفها لما أفكته السحرة حسبما فصل فى تفسير سورة طه وأما التعرض لانقلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربها وحراستها وصيرورتها شمة وشجرة خضراء مثمرة ودلوا ورشاء وغير ذلك مما ظهر منها من قبل ومن بعد فى غير مشهد فرعون وقومه فغير ملائم لمقتضى المقام وإما نفس الآيات كقوله إلى الملك القرم وابن الهمام الخ عبر عنها بذلك على طريقة العطف تنبيها على جمعها لعنوانين جليلين وتنزيلا لتغايرهما منزلة التغاير الذاتى (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أى أشراف قومه خصوا بالذكر لأن إرسال بنى إسرائيل منوط بآرائهم لا بآراء أعقابهم (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الانقياد وتمردوا (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) متكبرين متمردين (فَقالُوا) عطف على استكبروا وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار أى كانوا قوما عادتهم الاستكبار والتمرد أى قالوا فيما بينهم بطريق المناصحة* (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى (بَشَراً سَوِيًّا) كما يطلق على الجمع كما فى قوله تعالى (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) ولم يثن المثل نظرا إلى كونه فى حكم المصدر وهذه القصص كما ترى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شؤون الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها فى مراقى الكمال ومهاوى النقصان بحيث يكون بعضها فى أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المؤيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين الروحانى والجسمانى يتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى جناب الحق وبعضها فى أسفل سافلين كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا (وَقَوْمُهُما) يعنون بنى إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) أى خادمون منقادون لنا كالعبيد وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بشأنهما عليهما الصلاة والسلام وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية واللام فى لنا متعلقة بعابدون قدمت عليه رعاية للفواصل والجملة حال من فاعل نؤمن مؤكدة لإنكار الإيمان لهما بناء على زعمهم الفاسد المؤسس على قياس الرياسة الدينية على الرياسات الدنيوية الدائرة على التقدم فى نيل الحظوظ