والسياسة (١) و ...
قال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصره بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ، ويقول : إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون ، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر ، فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار (٢).
بعد هذا لا غرابة في أن نقول : إن هناك اتجاها قد حدث بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يشرع المواقف ويجعلها أصولا يسار عليها في الحياة بجنب الكتاب والسنة ، وقد اتسع هذا الاتجاه شيئا فشيئا حتى وصل بالأمة إلى أن ترجح قول الخلفاء حتى على قول الله ورسوله ، أو تخصيصهما بفعل الصحابي ، بدعوى أنهم عرفوا ملاكات الأحكام وروح التشريع وما شابه ذلك.
والطريف في الأمر هو أن أنصار هذا الاتجاه وإن كانوا يتخذون مواقف الخلفاء أصولا في الحياة والتشريع ، لكنهم في الوقت نفسه يسمحون لأنفسهم بترجيح رأي أحدهم على الآخر وإن كان بين الرأيين تباينا بينا ، اعتقادا منهم بحجية فعل الجميع ، أو أن كل هذه المواقف صحيحة ، أو ما شاكل ذلك مما صرح به في كتب عقائد وفقه هذه الشريحة من المسلمين.
ولتحقيق ما قلنا من تأثر الخلفاء من أتباع الاجتهاد بالموروث القديم ، وانعكاسه سلبا على الحديث النبوي وسنته الشريفة ، كان لا بد لنا من استعراض في بعض الشواهد الشاخصة في هذا المجال ، لمعرفة مدى قربها
__________________
(١) كما مر في كلام معاوية ويزيد آنفا.
(٢) مروج الذهب ٣ / ٨٦ ط الميمنية ، وانظر : شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٤٧.