تراجم الرجال ، كالبخاري ، المتوفى سنة ٢٥٦ ه في كتابه : تاريخ البخاري.
أثر الإسلام في وعي التاريخ وحركة التدوين :
لم يكن التاريخ عند العرب قبل الإسلام أكثر من أخبار الأحداث المهمة ، تنقل شفاها ، وربما حدد وقتها بالقياس إلى حادثة أخرى ، ولم يتجاوز الخبر التاريخي هذين البعدين ، الرواية ، وتعيين الوقت التقريبي.
حتى إذا نزل القرآن وأخذت العرب تصغي إليه وتحيطه بكل ما تدركه من معاني الإجلال والتقديس ، وتتطلع في معانيه ، أصبحت تقف على تفاصيل أحداث أكبر في التاريخ ، بدءا بابتداء الخليقة ، وصراع الخير والشر في الجنة ، وهبوط البشر إلى الأرض ، ثم صراع الخير والشر بين هابيل وقابيل ، وسلسلة السير ذات الأثر الحاسم في تاريخ البشرية ، نوح ، إبراهيم ، هود ، صالح ، يونس ، يعقوب ويوسف ، شعيب ، موسى وهارون ، داود وسليمان ، زكريا ويحيى وعيسى بن مريم عليهمالسلام ، نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأحوال الأمم التي عاش بينها هؤلاء ..
فوقفت من خلال ذلك على أنساق تاريخية ، تنتظم تحت معادلات واضحة ، وسنن محددة المعالم ، وقف عليها العقل العربي لأول مرة ، ولأول مرة يقف عليها عقل بشري ، فما زال التاريخ عند سائر الأمم رهن الأساطير وطوعا للحكام ، الآلهة أو أنصاف الآلهة ، كما كانوا يدينون.
لأول مرة يستوقف التاريخ عقل العربي وغير العربي على بطولات وملاحم تصنعها فئات مستضعفة وممتهنة ، وليس هو البطل الذي اعتادوا أن يسمعوا باسمه وكأنه ينحدر عليهم من شاهق ، أو يرسل عليهم جندا من السماء ، فيذهب القارئ في أعماق الوعي بالحياة الاجتماعية والقيم