ومن هنا أصبحت معرفة قوة التأويل بالأثر مضنية حقا ، إذ تتطلب من الباحث الرجوع إلى سائر المؤيدات الخبرية ودراستها سندا ودلالة ، وقد لا يتأتى هذا إلا إلى المتضلعين بعلم الحديث رواية ودراية.
ومنه يتضح عقم الانتقادات التي وجهها بعضهم إلى تأويلات الشيخ من أن شواهدها الخبرية المذكورة بعدها ضعيفة بحسب الاصطلاح ، خصوصا وهو يجد في شروح التهذيب ـ ك : ملاذ الأخيار ـ وشروح الإستبصار ـ ك : مناهج الأخيار ـ توضيحا شاملا لرتب الأحاديث.
ولهذا ، فإنه حتى لو افترضنا عدم وجود المؤيد الآخر لا في التهذيب ولا في غيره ، فلا يقدح هذا أيضا بصحة التأويل بحجة ضعف مؤيده المذكور بعده بحسب الاصطلاح ، لسببين ، وهما :
الأول : وهو ما أشار إليه الشيخ حسن في منتقى الجمان ، وحاصله : إن الشيخ لم يتوخ في أسانيد التهذيب سوى العلو ، ولهذا فضل بعض الطرق الضعيفة ـ بحسب الاصطلاح ـ على غيرها من الطرق الصحيحة المتوافرة لديه إلى أصحاب الكتب والمصنفات المشهورة ، كما هو واضح في كتابه الفهرست (١).
وبهذا يفسر استئثاره بما رواه عن محمد بن الحسن بن الوليد القمي ـ وهو من مشايخ الشيخ الصدوق ـ بتوسط الشيخ ابن أبي جيد القمي ، وهذا العلو في الإسناد لا يتوفر للشيخ بغير هذا الطريق.
على أن ابن أبي جيد ليس ضعيفا ، فهو محل اعتماد مشايخ الشيعة وأشهر المفهرسين لكتب الأصحاب ، وثقة جليل عند طائفة من العلماء وإن
__________________
(١) راجع : منتقى الجمان ١ / ٢٢ ـ ٢٣ من الفائدة الثالثة وج ١ / ٢٩ ـ ٣٠ من الفائدة الخامسة.