(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) (٤٢)
____________________________________
* ما وعدناهم أو أشكوا أو ألم ينظروا فى ذلك ولم يروا (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) أى أرض الكفر (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بأن نفتحها على المسلمين شيئا فشيئا ونلحقها بدار الإسلام ونذهب منها أهلها بالقتل والأسر والإجلاء أليس هذا من ذلك ومثله قوله عز سلطانه (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) وقوله (نَنْقُصُها) حال من فاعل (نَأْتِي) أو من مفعوله وقرىء ننقصها بالتشديد وفى لفظ الإتيان المؤذن بالاستواء المحتوم والاستيلاء العظيم من الفخامة ما لا يخفى كما فى قوله عزوجل (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (وَاللهُ يَحْكُمُ) ما يشاء كما يشاء وقد حكم للإسلام بالعزة والإقبال وعلى الكفر بالذلة والإدبار حسبما يشاهد من المخايل والآثار وفى الالتفات من التكلم إلى الغيبة وبناء الحكم على الاسم الجليل من الدلالة على الفخامة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر بالإشارة إلى العلة ما لا يخفى وهى* جملة اعتراضية جىء بها لتأكيد فحوى ما تقدمها وقوله تعالى (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) اعتراض فى اعتراض لبيان علو شأن حكمه جل جلاله وقيل نصب على الحالية كأنه قيل والله يحكم نافذا حكمه كما تقول جاء زيد لا عمامة على رأسه أى حاسرا والمعقب من يكر على الشىء فيبطله وحقيقته من يعقبه ويقفيه بالرد* والإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفى غريمه بالاقتضاء والطلب (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فعما قليل يحاسبهم ويجازيهم فى الآخرة بأفانين العذاب غب ما عذبهم بالقتل والأسر والإجلاء حسبما يرى وقال ابن عباس رضى الله عنهما سريع الانتقام (وَقَدْ مَكَرَ) الكفار (الَّذِينَ) خلوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل كفار مكة بأنبيائهم والمؤمنين كما مكر هؤلاء وهذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بأنه لا عبرة بمكرهم ولا تأثير بل لا وجود له فى الحقيقة ولم يصرح بذلك اكتفاء بدلالة القصر المستفاد من تعليله أعنى قوله* تعالى (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ) أى جنس المكر (جَمِيعاً) لا وجود لمكرهم أصلا إذ هو عبارة عن إيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يشعر به وحيث كان جميع ما يأتون وما يذرون بعلم الله تعالى وقدرته وإنما لهم مجرد* الكسب من غير فعل ولا تأثير حسبما يبينه قوله عزوجل (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) ومن قضيته عصمة أوليائه وعقاب الماكرين بهم توفية لكل نفس جزاء ما تكسبه ظهر أن ليس لمكرهم بالنسبة إلى من مكروا بهم عين ولا أثر وأن المكر كله لله تعالى حيث يؤاخذهم بما كسبوا من فنون المعاصى التى من جملتها مكرهم من حيث لا يحتسبون أو لله المكر الذى باشروه جميعا لا لهم على معنى أن ذلك ليس مكرا منهم بالأنبياء* بل هو بعينه مكر من الله تعالى بهم وهم لا يشعرون حيث لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) * حين يقضى بمقتضى علمه فيوفى كل نفس جزاء ما تكسبه (لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) أى العاقبة الحميدة من الفريقين وإن جهلوا ذلك يومئذ وقيل السين لتأكيد وقوع ذلك وعلمهم به حينئذ وقرىء سيعلم الكافر على إرادة الجنس والكافرون والكفر أى أهله والذين كفروا وسيعلم على صيغة المجهول من الإعلام أى سيخبر