(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٩٢)
____________________________________
لِبَعْضٍ ظَهِيراً) أى فى تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله وهو عطف على مقدر أى لا يأتون بمثله لو لم يكن بعضهم ظهيرا لبعض ولو كان الخ وقد حذف المعطوف عليه حذفا مطردا لدلالة المعطوف عليه دلالة واضحة فإن الإتيان بمثله حيث انتفى عند التظاهر فلأن ينتفى عند عدمه أولى وعلى هذه النكتة يدور ما فى إن ولو الوصليتين من التأكيد كما مر غير مرة ومحله النصب على الحالية حسبما عطف عليه أى لا يأتون بمثله على كل حال مفروض ولو فى هذه الحال المنافية لعدم الإتيان به فضلا عن غيرها وفيه حسم لأطماعهم الفارغة فى روم تبديل بعض آياته ببعض ولا مساغ لكون الآية تقريرا لما قبلها من قوله تعالى (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) كما قيل لكن لا لما قيل من أن الإتيان بمثله أصعب من استرداد عينه ونفى الشىء إنما يقرره نفى ما دونه لا نفى مافوقه فإن أصعبية الاسترداد بغير أمره تعالى من الإتيان بمثله مما لا شبهة فيه بل لأن الجملة القسمية ليست مسوقة إلى النبى صلىاللهعليهوسلم بل إلى المكابرين من قبله صلىاللهعليهوسلم (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) كررنا* ورددنا على أنحاء مختلفة توجب زيادة تقرير وبيان ووكادة رسوخ واطمئنان (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ) * المنعوت بما ذكر من النعوت الفاضلة (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كل معنى بديع هو فى الحسن والغرابة واستجلاب* النفس كالمثل ليتلقوه بالقبول (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) أوثر الإظهار على الإضمار تأكيدا وتوضيحا (إِلَّا كُفُوراً) أى إلا جحودا وإنما صح الاستثناء من الموجب مع أنه لا يصح ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفى كأنه قيل ما قبل أكثرهم إلا كفورا وفيه من المبالغة ما ليس فى أبوا الإيمان لأن فيه دلالة على أنهم لم يرضوا بخصلة سوى الكفور من الإيمان والتوقف فى الأمر ونحو ذلك وأنهم بالغوا فى عدم الرضا حتى بلغوا مرتبة الإباء (وَقالُوا) عند ظهور عجزهم ووضوح مغلوبيتهم بالإعجاز التنزيلى وغيره من المعجزات الباهرة متعللين بما لا يمكن فى العادة وجوده ولا تقتضى الحكمة وقوعه من الأمور كما هو ديدن المبهوت* المحجوج (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ) وقرىء بالتشديد (لَنا مِنَ الْأَرْضِ) أرض مكة (يَنْبُوعاً) عينا لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) أى بستان تستر* أشجاره ما تحتها من العرصة (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ) أى تجريها بقوة (خِلالَها تَفْجِيراً) كثيرا والمراد إما إجراء الأنهار خلالها عند سقيها أو إدامة إجرائها كما ينبىء عنه الفاء لا ابتداؤه (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) جمع كسفة كقطعة وقطع لفظا ومعنى وقرىء بالسكون كسدرة وسدر وهى حال من السماء والكاف فى كما فى محل النصب على أنه صفة مصدر محذوف أى إسقاطا مماثلا لما زعمت