(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (٨٣)
____________________________________
وهو عدة كريمة بإجابة الدعاء بالسلطان النصير الذى لقنه. عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه صلىاللهعليهوسلم دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلثمائة وستون صنما فجعل ينكت بمخصرة كانت بيده فى عين واحد واحد ويقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى ألقى جميعها وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال يا على ارم به فصعد فرمى به فكسره (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) وقرىء ننزل من الإنزال (ما هُوَ شِفاءٌ) لما فى الصدور من أدواء الريب وأسقام الأوهام (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) به العالمين بما فى تضاعيفه أى ما هو فى* تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافى للمرضى ومن بيانية قدمت على المبين اعتناء فإن كل القرآن كذلك وعن النبى صلىاللهعليهوسلم من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله أو تبعيضية لكن لا بمعنى أن بعضه ليس كذلك بل بمعنى إنا ننزل منه فى كل نوبة ما تستدعى الحكمة نزوله حينئذ فيقع ذلك ممن نزل عليهم بسبب موافقته لأحوالهم الداعية إلى نزوله موقع الدواء الشافى المصادف لا بأنه من المرضى المحتاجين إليه بحسب الحال من غير تقديم ولا تأخير فكل بعض منه متصف بالشفاء لكن لا فى كل حين بل عند تنزيله وتحقيق التبعيض باعتبار الشفاء الجسمانى كما فى الفاتحة وآيات الشفاء لا يساعده قوله سبحانه (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) أى لا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الكافرين المكذبين به الواضعين للأشياء فى غير مواضعها مع كونه فى نفسه شفاء من الأسقام إلا خسارا أى هلاكا بكفرهم وتكذيبهم لا نقصانا كما قيل فإن ما بهم من داء الكفر والضلال حقيق بأن يعبر عنه بالهلاك لا بالنقصان المنبىء عن حصول بعض مبادى الأسقام فيهم وزيادتهم فى مراتب الهلاك من حيث إنهم كلما جددوا الكفر والتكذيب بالآيات النازلة تدريجا ازدادوا بذلك هلاكا وفيه إيماء إلى أن ما بالمؤمنين من الشبه والشكوك المعترية لهم فى أثناء الاهتداء والاسترشاد بمنزلة الأمراض وما بالكفرة من الجهل والعناد بمنزلة الموت والهلاك وإسناد الزيادة المذكورة إلى القرآن مع أنهم هم المزدادون فى ذلك بسوء صنيعهم باعتبار كونه سببا لذلك وفيه تعجيب من أمره حيث يكون مدارا للشفاء والهلاك (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بالصحة والنعمة (أَعْرَضَ) عن ذكرنا فضلا عن القيام بموجب الشكر (وَنَأى) تباعد عن طاعتنا (بِجانِبِهِ) النأى بالجانب أن يلوى عن الشىء* عطفه ويوليه عرض وجهه فهو تأكيد للإعراض أو عبارة عن الاستكبار لأنه من ديدن المستكبرين (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل وفى إسناد المساس إلى الشر بعد إسناد الإنعام* إلى ضمير الجلالة إيذان بأن الخير مراد بالذات والشر ليس كذلك (كانَ يَؤُساً) شديد اليأس من روحنا* وهذا وصف للجنس باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذه الصفة ولا ينافيه قوله تعالى (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) ونظائره فإن ذلك شأن بعض آخرين منهم وقيل أريد به الوليد بن المغيرة وقرىء ناء إما على القلب كما يقال راء فى رأى وإما على أنه بمعنى نهض.