(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦)
____________________________________
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) تصريح بالنهى عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة فى بيان قبح المنهى* عنه وتمهيدا لقوله سبحانه (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) عن محجة الحق (بَعْدَ ثُبُوتِها) عليها ورسوخها فيها بالإيمان وإفراد القدم وتنكيرها للإيذان بأن زلل قدم واحدة أى قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم فكيف بأقدام* كثيرة (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) أى العذاب الدنيوى (بِما صَدَدْتُمْ) بصدودكم أو بصدكم غيركم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) * الذى ينتظم الوفاء بالعهود والأيمان فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره (وَلَكُمْ) فى الآخرة (عَذابٌ عَظِيمٌ) (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) أى لا تأخذوا بمقابلة عهده تعالى وبيعة رسوله صلىاللهعليهوسلم أو آياته الناطقة بإيجاب المحافظة على العهود والأيمان (ثَمَناً قَلِيلاً) أى لا تستبدلوا بها عرضا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدون ضعفة المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد من حطام الدنيا (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) عزوجل من النصر والتغنيم والثواب الأخروى (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) مما يعدونكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى إن كنتم من أهل العلم والتمييز وهو تعليل للنهى على طريقة التحقيق كما أن قوله تعالى (ما عِنْدَكُمْ) تعليل للخيرية بطريق* الاستئناف أى ما تتمتعون به من نعيم الدنيا وإن جل بل الدنيا وما فيها جميعا (يَنْفَدُ) وإن جم عدده وينقضى* وإن طال أمده (وَما عِنْدَ اللهِ) من خزائن رحمته الدنيوية والأخروية (باقٍ) لا نفاد له أما الأخروية فظاهرة وأما الدنيوية فحيث كانت موصولة بالأخروية ومستتبعة لها فقد انتظمت فى سمط الباقيات الصالحات* وفى إيثار الاسم على صيغة المضارع من الدلالة على الدوام مالا يخفى وقوله تعالى (وَلَنَجْزِيَنَّ) بنون العظمة على طريقة الالتفات تكرير للوعد المستفاد من قوله تعالى (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) على نهج التوكيد القسمى مبالغة فى الحمل على الثبات فى الدين والالتفات عما يقتضيه ظاهر الحال من أن يقال ولنجزينكم أجركم بأحسن ما كنتم تعملون للتوسل إلى التعرض لأعمالهم والإشعار بعليتها للجزاء أى والله لنجزين* (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أذية المشركين ومشاق الإسلام التى من جملتها الوفاء بالعهود والفقر وقرىء بالياء من غير التفات (أَجْرَهُمْ) مفعول ثان (لَنَجْزِيَنَ) أى لنعطينهم أجرهم الخاص بهم بمقابلة صبرهم على ما منوا به من الأمور المذكورة (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور وإنما أضيف إليه الأحسن للإشعار بكمال حسنه كما فى قوله سبحانه (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) لا لإفادة قصر الجزاء على الأحسن منه دون الحسن فإن ذلك مما لا يخطر ببال أحد لا سيما بعد قوله تعالى (أَجْرَهُمْ) أو (لَنَجْزِيَنَّهُمْ) بحسب أحسن أفراد أعمالهم المذكورة على معنى لنعطيهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيه بمقابلة الفرد الأعلى منها من الأجر الجزيل لا أنا نعطى الأجر بحسب