(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١٦)
____________________________________
وجل وانقيادهم لإحداث ما أراده فيهم من أحكام التكوين والإعدام شاءوا أو أبوا وعدم مداخلة حكم* غيره بل غير حكمه تعالى فى تلك الشئون مما لا يخفى على أحد (وَظِلالُهُمْ) أى وتنقاد له تعالى ظلال من من له ظل منهم أعنى الإنس حيث تتصرف على مشيئته وتتاتى لإرادته فى الامتداد والتقلص والفىء* والزوال (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ظرف السجود المقدر أو حال من الظلال وتخصيص الوقتين بالذكر مع أن انقيادها متحقق فى جميع أوقات وجودها لظهور ذلك فيهما والغدو جميع غداة كفتى فى جمع فتاة والآصال جمع أصيل وقيل جمع أصل وهو جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب وقيل الغدو مصدر ويؤيده أنه قرىء والإيصال أى الدخول فى الأصيل هذا وقد قيل إن المراد حقيقة السجود فإن الكفرة حال الاضطرار وهو المعنى بقوله تعالى (وَكَرْهاً) يخصون السجود به سبحانه قال تعالى (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ولا يبعد أن يخلق الله تعالى فى الظلال أفهاما وعقولا بها تسجد لله سبحانه كما خلقها للجبال حتى اشتغلت بالتسبيح وظهر فيها آثار التجلى كما قاله ابن الأنبارى ويجوز أن يراد بسجودها ما يشاهد فيها من هيئة السجود تبعا لأصحابها وأنت خبير بأن اختصاص سجود الكافر حالة الضرورة والشدة بالله سبحانه لا يجدى فإن سجودهم لأصنامهم حالة الرخاء مخل بالقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور فالوجه حمل السجود على الانقياد ولأن تحقيق انقياد الكل فى الإبداع والإعدام له تعالى أدحل فى التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه من تحقيق سجودهم له تعالى وتخصيص انقياد العقلاء بالذكر مع كون غيرهم أيضا كذلك لأنهم العمدة وانقيادهم دليل انقياد غيرهم على أنه بين ذلك بقوله عزوجل (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنه لتحقيق أن خالقهما ومتولى أمرهما مع ما فيهما على الإطلاق هو* الله سبحانه وقوله تعالى (قُلِ اللهُ) أمر بالجواب من قبله صلىاللهعليهوسلم إشعارا بأنه متعين للجوابية فهو والخصم فى تقريره سواء أو أمر بحكاية اعترافهم إيذانا بأنه أمر لا بد لهم من ذلك كأنه قيل أحك اعترافهم فبكتهم بما يلزمهم من الحجة وألقمهم الحجر أو أمر بتلقينهم ذلك إن تلعثموا فى الجواب حذرا من الإلزام* فإنهم لا يتمالكون إذ ذاك ولا يقدرون على إنكاره (قُلْ) إلزاما لهم وتبكيتا (أَفَاتَّخَذْتُمْ) لأنفسكم والهمزة لإنكار الواقع كما فى قولك أضربت أباك لا لإنكار الوقوع كما فى قولك أضربت أبى والفاء للعطف* على مقدر بعد الهمزة أى أعلمنم أن ربهما هو الله الذى ينقاد لأمره من فيهما كافة فاتخذتم عقيبه (مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) عاجزين (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً) يستجلبونه (وَلا ضَرًّا) يدفعونه عن أنفسهم فضلا عن القدرة على جلب النفع لغيره ودفع الضرر عنه لا على أن يكون الإنكار متوجها إلى المعطوفين معا كما فى قوله تعالى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إذا قدر المعطوف عليه ألا تسمعون بل إلى ترتب الثانى على الأول مع