(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٨)
____________________________________
الطَّاغُوتَ) هو الشيطان وكل ما يدعو إلى الضلالة (فَمِنْهُمْ) أى من تلك الأمم والفاء فصيحة أى فبلغوا* ما بعثوا به من الأمر بعبادة الله وحده واجتناب الطاغوت فتفرقوا فمنهم (مَنْ هَدَى اللهُ) إلى الحق* الذى هو عبادته واجتناب الطاغوت بعد صرف قدرتهم واختيارهم الجزئى إلى تحصيله (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أى وجبت وثبتت إلى حين الموت لعناده وإصراره عليها وعدم صرف قدرته إلى تحصيل الحق وتغيير الأسلوب للإشعار بأن ذلك لسوء اختيارهم كقوله تعالى (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فلم يكن كل من مشيئة الهداية وعدمها إلا حسبما حصل منهم من التوجه إلى الحق وعدمه إلا بطريق القسر والإلجاء حتى يستدل بعدمهما على عدم تعلق مشيئته تعالى بعبادتهم له تعالى وحده (فَسِيرُوا) يا معشر قريش (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) فى أكنافها (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) من عاد وثمود ومن سار سيرتهم ممن حقت* عليه الضلالة لعلكم تعتبرون حين تشاهدون فى منازلهم وديارهم آثار الهلاك والعذاب وترتيب الأمر بالسير على مجرد الإخبار بثبوت الضلالة عليهم من غير إخبار بحلول العذاب للإيذان بأنه غنى عن البيان وأن ليس الخبر كالعيان وترتيب النظر على السير لما أنه بعده وأن ملاك الأمر فى تلك العاقبة هو التكذيب والتعلل بأنه لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شىء (إِنْ تَحْرِصْ) خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرىء بفتح الراء وهى لغية (عَلى هُداهُمْ) أى إن تطلب هدايتهم بجهدك (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) أى فاعلم أنه تعالى* لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره والمراد به قريش وإنما وضع الموصول موضع الضمير للتنصيص على أنهم ممن حقت عليه الضلالة وللإشعار بعلة الحكم ويجوز أن يكون المذكور علة للجزاء المحذوف أى إن تحرص على هداهم فلست بقادر على ذلك لأن الله لا يهدى من يضله وهؤلاء من جملتهم وقرىء لا يهدى على بناء المفعول أى لا يقدر أحد على هداية من يضله الله تعالى وقرىء لا يهدى بفتح الهاء وإدغام تاء يهتدى فى الدال ويجوز أن يكون يهدى بمعنى يهتدى وقرىء يضل بفتح الياء وقرىء لا هادى لمن يضل ولمن أضل (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم فى الهداية أو يدفعون العذاب عنهم وصيغة* الجمع فى الناصرين باعتبار الجمعية فى الضمير فإن مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد إلى الآحاد لا لأن المراد نفى طائفة من الناصرين من كل منهم (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) شروع فى بيان فن آخر من أباطيلهم وهو إنكارهم البعث (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) مصدر فى موقع الحال أى جاهدين فى أيمانهم (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) * ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغ رد بقوله الحق (بَلى) أى بلى يبعثهم (وَعْداً) مصدر مؤكد لما دل عليه بلى* فإن ذلك موعد من الله سبحانه أو المحذوف أى وعد بذلك وعدا (عَلَيْهِ) صفة لوعد أى وعدا ثابتا عليه*