(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٢)
____________________________________
بطريق الاستئناف وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على التجدد والاستمرار وأنها سنته الجارية على مر الدهور أو لاستحضار صورة الإنبات وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر آنفا مع ما فى تقديم أولهما من الاهتمام به لإدخال المسرة ابتداء وتقديم الزرع على ما عداه لأنه أصل الأغذية وعمود المعاش وتقديم الزيتون لما فيه من الشرف من حيث إنه أدام من وجه وفاكهة من وجه وتقديم النخيل على الأعناب لظهور أصالتها وبقائها وجمع الأعناب للإشارة إلى ما فيها من الاشتمال على الأصناف المختلفة وتخصيص الأنواع المعدودة بالذكر مع اندراجها تحت قوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) للإشعار بفضلها* وتقديم الشجر عليها مع كونه غذاء للأنعام لحصوله بغير صنع من البشر أو للإرشاد إلى مكارم الأخلاق فإن مقتضاها أن يكون اهتمام الإنسان بأمر ما تحت يده وأكمل من اهتمامه بأمر نفسه أو لأن أكثر المخاطبين من أصحاب المواشى ليس لهم زرع ولا ثمر وقيل المراد تقديم ما يسام لا تقديم غذائه فإنه غذاء حيوانى للإنسان وهو أشرف الأغذية وقرىء ينبت من الثلاثى مسندا إلى الزرع وما عطف عليه (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فى إنزال الماء وإنبات ما فصل (لَآيَةً) عظيمة دالة على تفرده تعالى بالألوهية لاشتماله على* كمال العلم والقدرة والحكمة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإن من تفكر فى أن الحبة أو النواة تقع فى الأرض* وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أسفلها فيخرج منه عروق تنبسط فى أعماق الأرض وينشق أعلاها وإن كانت منتكسة فى الوقوع ويخرج منه ساق فينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع وعلى نواة قابلة لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية والتأثيرات العلوية بالنسبة إلى الكل علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه شىء فى شىء من صفات الكمال فضلا عن أن يشاركه أخس الأشياء فى أخص صفاته التى هى الألوهية واستحقاق العبادة تعالى عن ذلك علوا كبيرا وحيث افتقر سلوك هذه الطريقة إلى ترتيب المقدمات الفكرية قطع الآية الكريمة بالتفكر (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يتعاقبان خلفة لمنامكم ومعاشكم ولعقد الثمار وإنضاجها (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يدأبان فى* سيرهما وإنارتهما أصالة وخلافة وإصلاحهما لما نيط بهما صلاحه من المكونات التى من جملتها ما فصل وأجمل كل ذلك لمصالحكم ومنافعكم وليس المراد بتسخيرها لهم تمكينهم من تصرفها كيف شاءوا كما فى قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) ونظائره بل هو تصريفه تعالى لها حسبما يترتب عليه منافعهم ومصالحهم كان ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب إرادتهم وفى التعبير عن ذلك التصريف بالتسخير إيماء إلى ما فى المسخرات من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين وإيثار صيغة الماضى للدلالة على أن ذلك أمر واحد مستمر وإن تجددت آثاره (وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) مبتدأ وخبر أى سائر النجوم فى*