قرون (١).
فالشيخ إذا لم يتعامل مع تراث حديثي مفصول عن معينه ، أو غض طري لا تعرف أصوله ودواوينه ، بل مع مدونات حديثية بلغت في الكثرة إلى زمان الإمام العسكري عليهالسلام (ت ٢٦٠ ه) أكثر من ستة آلاف وستمائة كتاب في ما أحصاها الشيخ الحر العاملي (٢) ، وكان من جملتها الأصول الأربعمائة المشهورة ـ عند الشيخ يوم ذاك ـ شهرة كتبه الكثيرة في زماننا ، وقد أورد الشيخ نفسه الكثير من أسمائها وأسماء مؤلفيها في كتابه الفهرست.
ولضخامة ذلك التراث ، وطول امتداد عصر النص عند الإمامية ، وما رافق ذلك الامتداد من ظروف قاسية أوجبت على أهل البيت عليهمالسلام الحفاظ على قيم الإسلام ومبادئه ببقاء مهجهم الشريفة ، مع اختلاف رواة الحديث إليهم ، وتباين الرواة في عقائدهم وأفكارهم ، وتعدد مذاهبهم وفرقهم ، وتفاوت ضبطهم ووثاقتهم ، ووجود المغرضين والمنافقين والكذابين بينهم ، كانت مهمة من سبق الشيخ إلى تصفية ذلك التراث وتنقيته شاقة وعسيرة ، اضطلع بها جيل من الفقهاء وعلماء الرجال ، حتى وصل الأمر إلى ثقة الإسلام الكليني ، والشيخ الصدوق من بعده وكلاهما من الفقهاء والمحدثين وعلماء الرجال ، وكذلك نظرائهم من القميين كالمحدث والفقيه الرجالي ، الشديد في التضعيف والتوثيق ، الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد القمي.
__________________
(١) راجع : بحثنا المنشور في تراثنا العددان ٤٧ ـ ٤٨ السنة الثانية عشرة / رجب ـ ذو الحجة ١٤١٧ ه ، بعنوان : «تاريخ الحديث وعلومه» ، فقد أوردنا فيه مراحل تدوين الحديث عند الشيعة الإمامية ، ابتداء من عصر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وانتهاء بعصر الشيخ الطوسي قدسسره.
(٢) كما في خاتمة وسائل الشيعة ٣٠ / ١٦٥ ، الفائدة الرابعة من الخاتمة.