(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨)
____________________________________
بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون فى النار كقوله تعالى (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) إلى آخره* (لا يُؤْمِنُونَ) أبدا إذ لا كذب لكلامه ولا انتقاض لقضائه أى لا يؤمنون إيمانا نافعا واقعا فى أوانه فيندرج فيهم المؤمنون عند معاينة العذاب مثل فرعون باقيا عند الموت فيدخل فيهم المرتدون (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) واضحة المدلول مقبولة لدى العقول لأن سبب إيمانهم وهو تعلق إرادته تعالى به مفقود لكن فقدانه ليس لمنع منه سبحانه مع استحقاقهم له بل لسوء اختيارهم المتفرع على عدم استعدادهم لذلك (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) كدأب آل فرعون وأضرابهم (فَلَوْ لا كانَتْ) كلام مستأنف لتقرير ما سبق من استحالة إيمان من حقت عليهم كلمته تعالى لسوء اختيارهم مع تمكنهم من التدارك فيكون الاستثناء الآنى بيانا لكون قوم يونس عليهالسلام ممن لم يحق عليه الكلمة لاهتدائهم إلى التدارك فى وقته ولو لا* بمعنى هلا وقرىء كذلك أى فهلا كانت (قَرْيَةٌ) من القرى المهلكة (آمَنَتْ) قبل معاينة العذاب ولم تؤخر* إيمانها إلى حين معاينته كما فعل فرعون وقومه (فَنَفَعَها إِيمانُها) بأن يقبله الله تعالى منها ويكشف بسببه* العذاب عنها (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) استثناء منقطع أى لكن قوم يونس (لَمَّا آمَنُوا) أول ما رأوا أمارة* العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بعد ما أظلهم وكاد يحل بهم ويجوز أن تكون الجملة فى معنى النفى كما يفصح عنه حرف التحضيض فيكون الاستثناء متصلا إذ المراد بالقرى أهاليها كأنه قيل ما آمنت طائفة من الأمم العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس عليهالسلام* فيكون قوله تعالى (لَمَّا آمَنُوا) استئنافا لبيان نفع إيمانهم ويؤيده قراءة الرفع على البدلية (وَمَتَّعْناهُمْ) بمتاع* الدنيا بعد كشف العذاب عنهم (إِلى حِينٍ) مقدر لهم فى علم الله سبحانه. روى أن يونس عليهالسلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنهم مغاضبا فلما فقدوه خافوا نزول العذاب فلبسوا المسوح وعجوا أربعين ليلة وقيل قال لهم يونس عليهالسلام أجلكم أربعون ليلة فقالوا إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسود سطوحهم فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوا بين النساء والصبيان وبين الدواب وأولادها فحن بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم وكان ذلك يوم عاشوراء يوم الجمعة وعن ابن مسعود رضى الله عنه بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم حتى أن الرجل كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه فيرده إلى صاحبه وقيل خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا قد نزل بنا العذاب فما ترى فقال لهم قولوا يا حى حين لا حى ويا حى محيى الموتى ويا حى لا إله إلا أنت فقالوها