الأنصار حتى أحاط بالقصر ، وليس في القصر إلّا نحو من ثلاثين رجلا من الشرط ، ومقدار عشرين من الأشراف وأهل بيته ومواليه ، وركب أصحاب ابن زياد واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا ، وابن زياد في جماعة من الأشراف قد وقفوا على جدار القصر ينظرون إلى محاربة النّاس.
قال : وجعل رجل من أصحاب ابن زياد يقال له : ـ كثير بن شهاب ـ ؛ ومحمّد بن الأشعث ؛ والقعقاع بن شور ؛ وشبث بن ربعي ، ينادون فوق القصر بأعلى أصواتهم : ألا يا شيعة مسلم بن عقيل! ألا يا شيعة الحسين بن علي الله ، الله في أنفسكم وأهليكم وأولادكم ، فإن جنود أهل الشام قد أقبلت ، وأن الأمير عبيد الله قد عاهد الله : لئن أنتم أقمتم على حربكم ولم تنصرفوا من يومكم هذا ، ليحرمنكم العطاء ، وليفرقن مقاتلتكم في مغازي أهل الشام ، وليأخذن البريء بالسقيم ، والشّاهد بالغائب ، حتى لا يبقي منكم بقية من أهل المعصية إلّا أذاقها وبال أمرها.
فلما سمع ذلك الناس جعلوا يتفرقون ، ويتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، ويقول بعضهم لبعض ما نصنع بتعجيل الفتنة وغدا تأتينا جموع أهل الشام ، فينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم.
قال : وكانت المرأة تأتي أخاها وأباها أو زوجها أو بنيها فتشرّده ، ثمّ جعل القوم يتسللون والنهار يمضي فما غابت الشمس حتّى بقي مسلم بن عقيل في عشرة من أصحابه ، واختلط الظلام فدخل مسلم المسجد الأعظم ليصلي المغرب فتفرق عنه العشرة ، فلما رأى ذلك استوى على فرسه ، ومضى في بعض أزقة الكوفة ، وقد اثخن بالجراحات ، لا يدري أين يذهب؟ حتى صار إلى امرأة يقال لها : «طوعة» ، وقد كانت قبل ذلك أمّ ولد للأشعث بن قيس فتزوجها رجل من «حضر موت» يقال له «أسيد الحضرمي»