ذكر خروج مسلم بن عقيل نحو العراق
قال : فخرج «مسلم»
من «مكة» نحو «المدينة» مستخفيا ليلا لئلا يعلم أحد من بني أميّة ، فلما دخل
المدينة بدأ بمسجد النبي صلىاللهعليهوآله فصلّى ركعتين ، ثم خرج في جوف اللّيل ، وودع أهل بيته ،
واستأجر دليلين من ـ قيس عيلان ـ يدلانه على الطريق ، ويمضيان به إلى «الكوفة» على
غير الجادة ، فخرج به الدليلان من المدينة ليلا ، فسارا فأضلا الطريق ، جارا عن
القصد واشتد بهما العطش ، فماتا جميعا عطشا ، وصار ـ مسلم بن عقيل ـ ومن معه إلى
الماء ، وقد كادوا أن يهلكوا عطشا.
فكتب مسلم بن عقيل
إلى الحسين : بسم الله الرّحمن الرّحيم للحسين ابن عليّ من مسلم بن عقيل ،
أما بعد ـ فإني
خرجت من المدينة مع دليلين استأجرتهما فضلا عن الطريق واشتد بهما العطش فماتا ، ثم
إنا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وقد كدنا أن نهلك فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وقد أصبنا
الماء بموضع يقال له : «المضيق» وقد تطيرت من وجهي الذي وجهتني فيه ، فرأيك في
اعفائي عنه والسلام.
فلما ورد كتابه
على الحسين علم أنه قد تشأم وتطير من موت الدليلين ، وأنه جزع ، فكتب إليه : «بسم
الله الرّحمن الرّحيم من الحسين بن عليّ إلى مسلم بن عقيل ،
أما بعد ـ فقد
خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ ، والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلّا
الجبن والفشل ، فامض لما امرت به ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».
فلما ورد كتاب
الحسين على مسلم كأنه وجد من ذلك في نفسه ،