أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فاذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.
ووصل الخبر الى محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بأن ابنه قد اسر بثغر الري ، فقال : عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يؤسر وأبقى بعده ، فسمع الحسين عليهالسلام قوله فقال : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ، فقال : اكلتني السباع حيا ان فارقتك ، قال : فاعط ابنك هذا هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب برود قيمتها الف دينار فحملها مع ولده.
وأمر الحسين عليهالسلام أصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم وقام الحسين عليهالسلام وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد.
سمة العبيد من الخشوع عليهم |
|
لله أن ضمتهم الأسحار |
فاذا ترجلت الضحى شهدت لهم |
|
بيض القواضب انهم أحرار |
فعبر اليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا ، قال بعض أصحاب الحسين عليهالسلام : مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا ، وكان الحسين عليهالسلام يقرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (١) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال : نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم ، فقال
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآيتان (١٧٨ ـ ١٧٩).