التدوين المبكر عند الشيعة في علمي الرجال والدراية :
لقد حرص علماء الشيعة أشد الحرص على تحقيق الغاية من تدوين الأحاديث الشريفة وصيانتها ، وذلك لأجل الوصول إلى الحكم الشرعي ومعرفته ، ولهذا تتبعوا أحوال الرواة واحدا بعد آخر ، وبالغوا في ذلك أشد المبالغة ، ولم يكفهم التصريح بكذب الكاذب ، ولعن الغلاة ، والبراءة منهم على رؤوس الأشهاد ، والتحذير منهم ومن مروياتهم ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير لا سيما في مدينة قم حاضرة الشيعة في أواخر عصر النص.
فقد تميزت قم عن غيرها بكونها من حصون التشيع المنيعة ، مع ملاحقة مشايخها لكل من يتهم في حديثه ، ولهم في ذلك مواقف عجيبة من المنحرفين تعدت حدود إهانتهم أمام الناس وضربهم ، وطردهم من قم كلها ، كما حصل ذلك مع الحلاج الكذاب على يد فقيه القميين وشيخهم علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (١) ، حتى وصلت إلى درجة ترصد أخبار من يشك بكذبهم وغلوهم ، فإذا ما ثبت لهم العكس تركوه (٢) ، وإلا تربصوا به الدوائر (٣) ، لكفره بالكذب على الله ورسوله وأهل بيته مع الخروج بهم (عليهمالسلام) إلى حد الألوهية عن كونهم (عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (٤).
ويكفي في ذلك ، أنهم أخرجوا من قم بعض مشايخها الأجلاء
__________________
(١) كتاب الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ : ٤٠٢ رقم ٣٧٧.
(٢) كما في رجال النجاشي : ٣٢٩ رقم ٨٩١.
(٣) كما في رجال الكشي ٢ / ٨٠٧ رقم ١٠٠٦.
(٤) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٦ ـ ٢٧.