بذلك مما لا يكاد يصدر عن العاقل ، وقيل : المراد بها الأحوال المختلفة بعد الولادة إلى الموت ، من الصبا ، والشباب ، والكهولة ، والشيخوخة ، والقوة ، والضعف. وقيل : من الألوان ، والهيئات ، والأخلاق ، والملل المختلفة ، وقيل : من الصحة والسقم ، وكمال الأعضاء ونقصانها ، والغنى والفقر ونحوها). أقول : ذهبت بعض فرق الباطنية في فهم هذه الآية مذاهب لا يشهد لها عقل ولا نقل ، فاعتبرتها دليلا على التناسخ الذي تقول به بعض ديانات الهند ، وذلك من عمى القلب ، وانطماس البصيرة ، فالتناسخ تنقضه بديهيات العقول والعلوم ، كما سنرى ذلك ، وهذا الفهم الممسوخ نموذج لا على ترك المحكم إلى المتشابه ، بل على ترك المحكم إلى الكفر الذي لا يستند إلى دليل.
٤ ـ بمناسبة قوله تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) نحب أن ننقل كلام النسفي وابن كثير والألوسي في هذا النص ثم نعلق على ذلك. قال النسفي : (وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السموات ، وظهورهما مما يلي الأرض ، فيكون نور القمر محيطا بجميع السموات لأنها لطيفة لا تحجب نوره). وقال ابن كثير : (وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً؟) أي : واحدة فوق واحدة ، وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس مما علم من التسيير والكسوفات ، فإن الكواكب السبعة السيارة يكشف بعضها بعضا ، فأدناها القمر في السماء الدنيا ، وهو يكشف ما فوقه ، وعطارد في الثانية ، والزهرة في الثالثة ، والشمس في الرابعة ، والمريخ في الخامسة ، والمشترى في السادسة ، وزحل في السابعة ، وأما بقية الكواكب وهي الثوابت ففي فلك ثامن يسمونه فلك الثوابت ، والمتشرعون منهم يقولون : هو الكرسي ، والفلك التاسع وهو الأطلس ، والأثير عندهم الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك ، وذلك أن حركته مبدأ الحركات وهي من المغرب إلى المشرق ، وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب ، ومعها يدور سائر الكواكب تبعا ، ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها ؛ فإنها تسير من المغرب إلى المشرق ، وكل يقطع فلكه بحسبه ، فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة ، والشمس في كل سنة مرة ، وزحل في كل ثلاثين سنة مرة ، ذلك بحسب اتساع أفلاكها ، وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة. هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام ، على اختلاف بينهم في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها ، وإنما المقصود أن الله سبحانه وتعالى (خَلَقَ سَبْعَ