وصدقتم ما أرسلت به إليكم ، غفر الله لكم ذنوبكم ، هذا إذا اعتبرنا (من) في الآية زائدة ، وإذا اعتبرناها بمعنى (عن) كما رجح ذلك ابن كثير يكون المعنى : يصفح لكم عن ذنوبكم ، وإذا اعتبرناها بمعنى (بعض) يكون المعنى : يغفر لكم الذنوب العظيمة التي أوعدكم على ارتكابكم إياها الانتقام (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال النسفي : هو وقت موتكم ، قال ابن كثير : أي : يمد من أعماركم ، ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تجتنبوا ما نهاكم عنه أوقعه بكم (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي : الموت (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قال النسفي : أي : لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من الندامة عند انقضاء أجلكم لآمنتم ، وقال ابن كثير في الآية : أي : بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة ، فإنه إذا أمر تعالى بكون ذلك لا يرد ولا يمانع فإنه العظيم الذي قد قهر كل شىء ، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات ، والملاحظ أن نوحا عليهالسلام وعدهم على قبول دعوته أن يغفر الله لهم ذنوبهم ، وأن يجنبهم عذابه الذي ينزله بالأقوام الفاسقين ، وهذا درس رابع في الدعوة ، أن الداعية إلى الله ليست طريقته كطريقة دعاة الدنيا يغرقون الناس بالوعود الدنيوية فقط ، وبهذا انتهت المجموعة الأولى من الفقرة الأولى.
كلمة في السياق :
بعد أن قص الله علينا ما قاله نوح عليهالسلام لقومه في المجموعة السابقة ، يقص علينا ربنا عزوجل شكوى نوح إلى الله عزوجل من مواقف قومه ، ومن هذه الشكوى نعلم أن قومه رفضوا نذارته ، ومنها نعرف ماذا فعل نوح عليهالسلام ، وهذا يستغرق المجموعة الثانية من الفقرة الأولى.
تفسير الجزء الأول من المجموعة الثانية :
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) أي : دائبا بلا فتور في كل الأوقات فلم أترك وقتا إلا ودعوتهم فيه ، قال ابن كثير : أي : لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالا لأمرك وابتغاء لطاعتك ، وفي ذلك درس خامس للدعاة ، وهو ألا يبقوا وقتا إلا ويمارسون فيه الدعوة ، فإن بعض الأوقات أنسب للدعوة لبعض الطبقات من بعض ، كما أنه درس للداعية في الدأب الدائم على الدعوة (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) أي : عن طاعتك. قال النسفي : (ونسب ذلك ـ أي : الفرار ـ إلى