بين يدي سورة نوح :
قال الألوسي : (مكية بالاتفاق. وهي ثمان وعشرون آية في الكوفي ، وتسع في البصري والشامي ، وثلاثون فيما عدا ذلك ، ووجه اتصالها بما قبلها على ما قال السيوطي وأشار إليه غيره أنه سبحانه لما قال في سورة المعارج : (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) عقبه تعالى بقصة قوم نوح عليهالسلام المشتملة على إغراقهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم في الأرض ديار ، وبدل خيرا منهم ، فوقعت موقع الاستدلال والاستظهار لتلك الدعوى ، كما وقعت قصة أصحاب الجنة في سورة ن موقع الاستظهار لما ختم به تبارك ، هذا مع تواخي مطلع السورتين في ذكر العذاب الموعد به الكافرون ، ووجه الاتصال على قول من زعم أن السائل هو نوح عليهالسلام ظاهر ، وفي بعض الآثار ما يدل على أن النبي صلىاللهعليهوسلم يقرؤها على قوم نوح عليهالسلام يوم القيامة ، أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا قال : «إن الله تعالى يدعو نوحا وقومه يوم القيامة أول الناس فيقول : ماذا أجبتم نوحا؟ فيقولون : ما دعانا وما بلغنا ولا نصحنا ولا أمرنا ولا نهانا ، فيقول نوح عليهالسلام : دعوتهم يا رب دعاء فاشيا في الأولين والآخرين ، أمة بعد أمة ، حتى انتهى إلى خاتم النبيين أحمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، فانتسخه وقرأه وآمن به وصدقه ، فيقول الله عزوجل للملائكة عليهمالسلام : ادعوا أحمد وأمته ، فيدعونهم فيأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته يسعى نورهم بين أيديهم ، فيقول نوح عليهالسلام لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته : هل تعلمون أني بلغت قومي الرسالة ، واجتهدت لهم النصيحة ، وجهدت أن أستنقذهم من النار سرا وجهارا ، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا؟ فيقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته : فإنا نشهد بما أنشدتنا أنك في جميع ما قلت من الصادقين ، فيقول قوم نوح عليهالسلام : وأنى علمت هذا أنت وأمتك ونحن أول الأمم وأنت آخر الأمم؟ فيقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه حتى يختم السورة فإذا ختمها قالت أمته : نشهد إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله وأن الله لهو العزيز الحكيم فيقول الله عزوجل عند ذلك : امتازوا اليوم أيها المجرمون»).
وقال صاحب الظلال : (هذه السورة كلها تقص قصة نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه ؛ وتصف تجربة من تجارب الدعوة في الأرض ، وتمثل دورة من دورات العلاج