أقول : فالليل إذن هو الذي يستر الشمس ويحجبها ، وليست هي التي تحتجب ، وذلك مرتبط بموضوع دوران الأرض ؛ فالآية تكمل المعنى السابق ؛ ففيها معجزة كونية مع الإعجاز (وَالسَّماءِ وَما بَناها) قال ابن كثير : يحتمل أن تكون (ما) ههنا مصدرية بمعنى : والسماء وبنائها. وهو قول قتادة ، ويحتمل أن تكون بمعنى (من) يعني : والسماء وبانيها وهو قول مجاهد (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) قال مجاهد : طحاها أي : دحاها. أقول : والدحو فيه معنى الكروية وعامة المفسرين فسر الطحو والدحو بالبسط فقط وهو غفلة عن مجموع ما تستعمل له هاتان الكلمتان في اللغة العربية ، فالأدحية والأدحوة مبيض النعام في الرمال ، ومبيض النعام في الرمال فيه معنى الكروية ، وتقدير الكلام : والأرض وطحوها أو والأرض وطاحيها وهو الله عزوجل. (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) قال ابن كثير : أي : سوية مستقيمة على الفطرة القويمة (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) قال النسفي : أي : فأعلمها طاعتها ومعصيتها ، أفهمها أن أحدهما حسن والآخر قبيح ، وقال ابن كثير : أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها أي : بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) هذا جواب القسم ، ومعنى : زكاها طهرها وأصلحها وجعلها زاكية ، ومعنى دساها نقصها وأخفاها بالفجور ، قال ابن كثير في قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) : يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه أي : بطاعة الله كما قال قتادة وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل ، ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن حبير. أقول : وهو المعنى الذي لا يحتمل غيره وقال ابن كثير في قوله تعالى (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) : أي : دسسها أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي ، وترك طاعة الله عزوجل. أقول : إن ربط الفلاح بالتزكية ، والخسران بالتدسية قضية أخروية دنيوية فلا فلاح في دنيا وأخرى إلا بتزكية النفس ، ولا خسران في الدنيا والأخرى أفظع من تدسيتها ، واستعمال لفظ التزكية والتدسية يشير إلى أن التزكية تنمية للنفس ، بينما التدسية إخفاء لها وكبت فلا تنمو النفس البشرية إلا بالإسلام ، ومتى ترك الإنسان الإسلام فإنه يخسر نفسه ويخنقها في أطر من الحيوانية الرخيصة.
كلمة في السياق :
١ ـ علقت الفقرة السابقة الفلاح بتزكية النفس والخسران بتدسيتها ولكنها لم تفصل في كيفية التزكية والتدسية ، وبالربط بين السورة ومحورها نعرف طريقة التزكية