بين يدي سورة الفجر :
قال ابن كثير عن سورة الفجر : هي مكية ثم قال : (روى النسائي عن جابر قال :
صلى معاذ صلاة ، فجاء رجل فصلى معه فطول ، فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف ، فبلغ ذلك معاذا فقال : منافق ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأل الفتى ، فقال : يا رسول الله جئت أصلي معه فطول علي فانصرفت وصليت في ناحية المسجد ، فعلفت ناقتي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفتان يا معاذ؟ أين أنت من سبح اسم ربك الأعلى ـ والشمس وضحاها ـ والفجر ـ والليل إذا يغشى»).
وقال الألوسي في تقديمه لسورة الفجر : (ولما ذكر سبحانه فيما قبلها (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) أتبعه تعالى بذكره لطوائف المكذبين من المتجبرين الذين وجوههم خاشعة ، وأشار جل شأنه إلى الصنف الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله سبحانه فيها : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) وأيضا فيها مما يتعلق بأمر الغاشية ما فيها ، وقال الجلال السيوطي : لم يظهر لي في وجه ارتباطها سوى أن أولها كالأقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها ، أو على ما تضمنته من الوعد والوعيد ، هذا مع أن جملة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) مشابهة لجملة (أَفَلا يَنْظُرُونَ) وهما كما ترى).
وقال صاحب الظلال في تقديمه لهذه السورة : (هذه السورة في عمومها حلقة في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر .. ولكنها تتضمن ألوانا شتى من الجولات والإيقاعات والظلال ، ألوانا متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحنا واحدا متعدد النغمات موحد الإيقاع!
في بعض مشاهدها جمال هادىء رفيق ندي النسمات والإيقاعات ، كهذا المطلع الندي بمشاهده الكونية الرقيقة ، وبظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد .. (وَالْفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ...).
وفي بعض مشاهدها شد وقصف. سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف : (كَلَّا. إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ* يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى * يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي* فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ).
وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضى وطمأنينة. تتناسق فيها المناظر والأنغام ، كهذا الختام : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي