ويعتصر منه دبس ويصنع منه خل) (وَحَدائِقَ غُلْباً) أي : غلاظ الأشجار (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) أما الفاكهة فكل ما يتفكه به من الثمار والأب : ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ، ولا يأكله الناس (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي : منفعة لكم ولأنعامكم. قال ابن كثير : أي : عيشة لكم ولأنعامكم في هذه الدار إلى يوم القيامة.
كلمة في السياق :
١ ـ جاء هذا الجزء من الفقرة آمرا بالنظر إلى طعام الإنسان ، وطعام دوابه كيف رتب الله عزوجل أمره بعد ذكر كفر الإنسان وتقصيره في الجزء الثاني من الفقرة ، وفي ذلك دلالة على أن الإنسان لو نظر هذه النظرة ، وبنى عليها ما ينبغي لشكر ، ولم يكفر ، ولقام في الواجب ، ولم يقصر ، وهكذا نجد أن الفقرة الثانية في أجزائها الثلاثة أدبت المسلمين في أن يعرفوا قدر هذا القرآن ، وأن يعرفوا أن الحجة قائمة به على الكافرين ، وأن الكافرين بحاجة إليه ، وعرفتنا على الطبيعة الإنسانية الكافرة المقصرة ، وبينت لنا أن النظر في الإنسان وما أكرمه الله عزوجل به كاف لإقامة الحجة ، وجعل الإنسان على المحجة ، أما والإنسان لم يفعل فذلك ذنبه ، وبالتالي فلا ينبغي أن تضيع حقوق المسلمين بسبب الكافرين.
٢ ـ بمناسبة الجزء الأخير من الفقرة نحب أن نسجل هنا ملاحظة هي : إن المعاني القرآنية تكون في كثير من الأحيان تسجيلا لبداهة النظر الفطري ، ولفت نظر إلى مدلولاته ، وفي ذلك مظهر من مظاهر إعجاز هذا القرآن ، إذ لفت نظر الإنسان إلى كل شىء حوله وما ينبغي أن يبني عليه ، وكان ذلك بأعلى درجات البلاغة والبيان ، إن من تأمل هذه الظاهرة وحدها من ظواهر القرآن كفاه ذلك دليلا على أن هذا القرآن من عند الله عزوجل.
٣ ـ وبعد ما مر معنا في الفقرتين السابقتين تأتي الفقرة الأخيرة في السورة ، وهي تبني على ما ورد في الفقرتين السابقتين ، فالفقرة الأولى أظهرت لنا أن هناك كافرا يستغني ، ومؤمنا يفتقر ويرغب ، وفي الفقرة الثانية عرفنا أن هناك قرآنا يذكر ، وأن هناك ناسا يتذكرون ، وناسا لا يتذكرون ، ومن ثم فإن الفقرة الثالثة تبين حال الطائفتين يوم القيامة ، وهي في أدائها لهذا المعنى ، كأنها تقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هذا حال الكافرين وحال المؤمنين يوم القيامة ؛ فمن الأولى بالحرص منكما على الآخر؟ أنت الذي تدل على طريق النجاة؟ أو ذلك الكافر المفتقر إليك لتدله على طريق النجاة؟ فإذا