فاصبر لحكم ربك عليك بتبليغ الرسالة ، واحتمال الأذية ، وتأخير نصرتك ... (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) قال النسفي : أي : من الكفرة للضجر من تأخير الظفر (آثِماً) أي : راكبا لما هو إثم ، داعيا لك إليه (أَوْ كَفُوراً) قال النسفي : أي : (فاعلا لما هو كفر داعيا لك إليه ؛ لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل ما هو إثم أو كفر ، أو غير إثم ولا كفر ، فنهي أن يساعدهم على الأولين دون الثالث) ، وقال ابن كثير : أي : لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك ، بل بلغ ما نزل إليك من ربك وتوكل على الله ، فإن الله يعصمك من الناس ، فالآثم هو الفاجر في أفعاله ، والكفور هو الكافر قلبه (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) قال ابن كثير : أي : أول النهار وآخره ، وقال النسفي : (أي : قيل له بكرة : صلاة الفجر ، وأصيلا : صلاة الظهر والعصر) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) قال النسفي : (أي : وبعض الليل فصل العشائين) (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) قال النسفي : أي : تهجد له هزيعا طويلا من الليل : ثلثيه أو نصفه أو ثلثه ، قال ابن كثير : ثم قال تعالى منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها ، والانصباب إليها ، وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم (إِنَّ هؤُلاءِ) الكفرة (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) أي : يؤثرونها على الآخرة (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أي : قدامهم أو خلف ظهورهم (يَوْماً ثَقِيلاً) أي : شديدا لا يعبأون به ، وهو يوم القيامة ؛ لأن شدائده تثقل على الكفار ، فإذا كان هؤلاء كذلك ومن ثم لا يعملون فلا ينبغي أن يكون المسلم كذلك (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا) أي : أحكمنا (أَسْرَهُمْ) أي : خلقهم (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) قال النسفي : (أي : إذا شئنا إهلاكهم أهلكناهم ، وبدلنا أمثالهم في الخلقة ممن يطيع).
كلمة في السياق :
١ ـ بدأت السورة بقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لاحظ كلمة (خلقنا) في الآية الثانية ، ونلاحظ أنه قد ورد معنا في آخر آية عرضناها من الفقرة الثانية : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) وهذا يشعرنا أن معاني متعانقة في السورة قد انتهى عرضها لوجود نهاية تشبه البداية ، ولذلك فإن الآية اللاحقة تأتي وكأنها تعليق على ما مر : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ