القلب لا تتأتى عملية الإنذار (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) أي : فليكن ما يظهر منك للناس من فعل أو مظهر طاهرا حتى لا يؤثر ذلك على عملية الإنذار ، فإن الناس إذا رأوا أي شين في الداعية كرهوا لذلك دعوته ، وعابوه ، فرفضوا قبول دعوته ، وسنرى في الفوائد أن أقوال المفسرين كلها تدور حول أن المراد بذلك إما طهارة النفس ، أو طهارة اللباس ، أو كلاهما ، ومجىء هذا الأمر في سياق الإنذار يشير إلى هذا الذي ذكرناه ، حتى قال الحسن البصري في الآية : أي : وخلقك فحسن ، فما لم يكن الداعية نقي الظاهر والباطن ، دقيق الأخذ والعطاء ، سلوكه فوق النقد في كل الأمور ، فإن إنذاره لا يكون مجديا كل الجدوى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) الرجز : هو العذاب الذي يأتي أثرا عن المعصية ، أي : فاهجر ما يؤدي إلى العذاب من شرك ومعصية ، قال ابن كثير : وعلى كل تقدير (أي : في تفسير كلمة الرجز سواء فسرت بالأوثان أو بالمعصية) فلا يلزم تلبسه بشىء من ذلك. أقول : ومجىء هذا الأمر في سياق الأمر بالإنذار يشعر أن الداعية المتلبس بالمعاصي لا تنجح دعوته (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) في هذه الآية أربعة أقوال ذكرها ابن كثير : الأول : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها ، والثاني : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ، والثالث : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، وهذا على القول بأن تمنن في لغة العرب تأتي بمعنى تضعف ، والرابع : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها فتأخذ عليها عوضا من الدنيا. فهذه أقوال أربعة وقد رجح ابن كثير الأول ، واختار ابن جرير الثاني ، وعلى كل حال ففي قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) توجيه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في مقام الإنذار فكل ما يدخل تحت اللفظ ـ مما له علاقة بالإنذار ـ مراد به ، فالاستشراف للمكافأة والزيادة والاستشراف لما في أيدي الناس ، واستكثار العمل لله والمنة على الله به والمنة على الناس بسبب النبوة لمعنى دنيوي ، كل هذه المعاني مما ينبغي أن يلاحظها الداعية وهو يقوم بعملية الإنذار ، ثم قال تعالى : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) قال ابن كثير : أي : اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عزوجل ، وقال النسفي : (أي : ولوجه الله فاستعمل الصبر على أوامره ونواهيه ، وكل مصبور عليه ومصبور عنه) ثم علل تعالى لوجوب الأمر بالإنذار بقوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) أي : فإذا نفخ في الصور (فَذلِكَ) أي : وقت النقر (يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) قال النسفي : (فكأنه قيل : فيوم النقر يوم عسير) والعسير : الشديد (عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) أي : غير سهل عليهم ، وقد آذن التعبير أن ذلك يوم يسير على المؤمنين ، كما آذن أن ذلك اليوم لا يرجى أن يرجع يسيرا مثلما يرجى تيسير العسير من أمور