قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ... إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) أو ليس من العجيب أن يتصور متصور أن مثل هذه المعاني لا تخضع لقاعدة عامة شاملة ، فإذا استطعنا أن نقيم الدليل على هذه القاعدة الشاملة فإن ذلك هو الذي يتفق مع التصور الصحيح عن أفعال الله عزوجل ، وعن كلماته ، أن يكون فيها من الانتظام ومن النظام ، ومن الضوابط ما لا يتناهى جماله ، ولا يحاط بكمالاته ، ولنعد إلى سورة المدثر.
في محور سورة المدثر من سورة البقرة كلام عن موقف الكافرين من الأمثال القرآنية (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) ، وفي سورة المدثر أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينذر أمثال هؤلاء ، كما أن سورة المدثر قدمت لنا تفصيلا عن نفسية هؤلاء وتفكيرهم ، وتبيانا للأسباب النفسية التي تجعلهم يقفون مثل هذه المواقف من القرآن ، وفيها تفصيل لما يستحقونه ، وفي السورة تربية للمؤمنين ، وتعريف لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على أدب الإنذار والتبشير ، وفي السورة تعريف على القرآن وتعريف على الله عزوجل ، ولذلك كله صلة في المحور كما سنرى.
تتألف السورة من مقدمة وفقرتين :
المقدمة وتستمر حتى نهاية الآية (١٠).
الفقرة الأولى وتستمر حتى نهاية الآية (٣١).
الفقرة الثانية وتستمر حتى نهاية السورة أي : حتى نهاية الآية (٥٦).
رأينا في مقدمة تفسير سورة المزمل أن سبب نزول سورتي المزمل والمدثر كان ما قابل به رسول الله صلىاللهعليهوسلم تآمر قريش ، واتهاماتها من التزمل والتدثر ، وأن هناك روايات أخرى ذكرت أن سبب النزول كان لفرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم من رؤية جبريل مرة ثانية بعد المرة الأولى التي كان فيها بدء الوحي ، وللجمع بين الروايتين يمكن أن يقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قابل ظهور جبريل في المرة الثانية بفرق تدثر وتزمل معه ، فنزلت