فَكَبِّرْ)» هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلم ... عن أبي سلمة قال : أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثيت منه حتى هويت إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي فقلت : «زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ) إلى (فَاهْجُرْ) قال أبو سلمة (والرجز) الأوثان ثم حمي الوحي وتتابع» هذا لفظ البخاري ، وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله : «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» وهو جبريل حين أتاه بقوله (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شىء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ، كما روى الإمام أحمد ... عن ابن شهاب قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : أخبرني جابر ابن عبد الله أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثيت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت لهم : زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ثم حمي الوحي وتتابع» أخرجاه من حديث الزهري به).
قال الألوسي : ولصحة الخبرين (خبر جابر وخبر عائشة رضي الله عنهما) احتاجوا للجواب فنقل في الإتقان خمسة أجوبة ، الأول : أن السؤال في حديث جابر كان عن نزول سورة كاملة ، فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل تمام سورة اقرأ ، فإن أول ما نزل منها صدرها. الثاني : إن مراد جابر بالأولية أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي لا أولية مطلقة. الثالث : إن المراد أولية مخصوصة بالأمر بالإنذار ، وعبر بعضهم عن هذا بقوله أول ما نزل للنبوة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وأول ما نزل للرسالة (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ). الرابع : إن المراد أول ما نزل بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشىء عن الرعب ، وأما اقرأ فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم. الخامس : إن جابر استخرج ذلك باجتهاده وليس هو من روايته فيقدم عليه ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها).