يكون محمد صلىاللهعليهوسلم شاعرا متقولا على الله فإن الآية اللاحقة تتحدث عن ذلك (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أي : حوادث الدهر ، أي ننتظر به نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء ، قال ابن كثير : (والمنون : الموت ، يقولون : ننتظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه).
ملاحظة :
يلاحظ أن الحرف (أم) يتكرر إحدى عشرة مرة في هذه المجموعة ، وهو يفيد كما قال النسفي : (وأم في أوائل هذه الآيات منقطعة بمعنى بل والهمزة) فهي تعرض أقوالهم بصيغة فيها إنكار عليهم ، وتكاد تكون الآيات مستقصية لكل أقوال الكافرين قديما وحديثا ، ولمواقفهم وتصوراتهم التي تصرفهم عن الإيمان.
ولنعد إلى السياق : فبعد أن ذكر الله عزوجل تربصهم الموت برسوله صلىاللهعليهوسلم رد عليهم بقوله : (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي : فإني أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي ، قال ابن كثير : في الآية : (أي انتظروا فإني منتظر معكم ، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة) ثم قال تعالى : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) أي : عقولهم (بِهذا) أي : بهذا القول المتناقض ، وهو قولهم : كاهن ومجنون وشاعر ، قال ابن كثير : أي أعقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي : بل هم قوم طاغون ، أي مجاوزون الحد في العناد ، مع ظهور الحق لهم ، قال ابن كثير : (أي ولكن هم قوم طاغون ضلال معاندون ، فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك) فليست أقوالهم هذه أثرا عن عقل ؛ بل هي أثر عن طغيان نفس ، ثم جمع الله حصيلة أقوالهم السابقة ورد عليهم بما يهدمها. إن حصيلة أقوالهم السابقة هي أن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد اختلق القرآن من عند نفسه ، ونسبه إلى الله عزوجل ، والجواب : أن الأمر لو كان كذلك لما صعب على أحد أن يأتي بمثل هذا القرآن ، أما والبشر جميعا عاجزون عن ذلك فليس الأمر كما زعموه (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي : اختلقه وافتراه محمد صلىاللهعليهوسلم من تلقاء نفسه ، يعنون القرآن ، قال تعالى : (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) قال ابن كثير : أي كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة ، وقال النسفي : (هذا رد عليهم ، أي ليس الأمر كما زعموا بل (لا يؤمنون) ، فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن مع