لم يوافقاهما على الإيمان ، ولا صدقاهما في الرسالة ، فلم يجد ذلك كله شيئا ، ولا دفع عنهما محذورا ، ولهذا قال تعالى : (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : لكفرهما) ، قال النسفي : أي : فلم يغن الرسولان عنهما أي : عن المرأتين بحق ما بينهما وبينهما من الزواج إغناء ما من عذاب الله (وَقِيلَ) للمرأتين عند موتهما أو يوم القيامة (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ) سائر (الدَّاخِلِينَ) الذين لا صلة بينهم وبين الأنبياء ، أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا) قال ابن كثير : وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين ، أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) قال قتادة : كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم ، فو الله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ، ليعلموا أن الله تعالى حكم عدل ، لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه. (إِذْ قالَتْ) امرأة فرعون (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) قال ابن كثير : (قال العلماء : اختارت الجار قبل الدار) أي : لأنها قالت (عندك) قبل أن تذكر (بيتا في الجنة) (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) قال ابن كثير : أي : خلصني منه فإني أبرأ إليك من عمله. أقول : الظاهر أنها طلبت الخلاص من فرعون بالموت (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : من قوم فرعون جميعا ، قال النسفي : وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ، ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) أي : وضرب الله مثلا مريم ابنة عمران (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي : حفظته وصانته ، قال ابن كثير : الإحصان هو العفاف والحرية ، وقال النسفي : (أي : من الرجال) (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) أي : فنفخ جبريل من روح الله في الفرج ، أي : من روح خلقها الله ، وأضافها لنفسه تشريفا ، وأضاف جل جلاله النفخ لذاته الشريفة لأنه الآمر به (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) قال ابن كثير : أي : بقدره وشرعه (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) أي : من الطائعين. قال النسفي : لما كان القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين (الذكور والإناث) غلب ذكوره على إناثه ، قال النسفي عن الفقرة الثانية : (مثل الله عزوجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين بلا محاباة ، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من النسب والمصاهرة ، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين بإفشاء أسرارهما ، فلم يغن الرسولان عنهما ـ أي : عن المرأتين بحق ما بينهما وبينهما من الزواج ـ إغناء ما من عذاب الله ، وقيل لهما عند موتهما أو يوم القيامة ادخلا النار مع سائر الداخلين