فأكدت سعة الكون بما لم يكن يخطر على قلب بشر من قبل ، ولكن تبين أن الكون في حالة توسع مطرد ، فقد لو حظ من خلال الرصد أن مجرات الكون تنطلق بعيدا عن مركز الكون بسرعة هائلة ، ولقد قالوا : إن النظرية الوحيدة من نظريات أينشتاين التي نقضها العلماء هي نظريته في ثبات الكون (راجع العدد الذي يتحدث عن أينشتاين من سلسلة اقرأ) والملاحظ أن قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قد استعمل فيه اسم الفاعل (موسع) واسم الفاعل في اللغة العربية يفيد ـ في بعض الحالات ـ الاستمرار ، ومن ثم فإن الآية هنا تشير إلى سعة الكون من ناحية ، كما تشير إلى موضوع تمدد الكون وتوسعه المطرد ، وفي ذلك ما فيه من إعجاز وسع به هذا القرآن الزمان والمكان ، فالذين يريدون أن يعطلوا العمل بهذا القرآن بسبب تقدم العلوم عليهم أن يراجعوا أنفسهم قبل فوات الأوان.
١١ ـ بمناسبة قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قال ابن كثير : (أي جميع المخلوقات : أزواج ، سماء وأرض ، وليل ونهار ، وشمس وقمر ، وبر وبحر ، وضياء وظلام ، وإيمان وكفر ، وموت وحياة ، وشقاء وسعادة ، وجنة ونار ، حتى الحيوانات والنباتات ، ولهذا قال تعالى (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له).
أقول : في عصرنا اتضح معنى الزوجية بشكل أوسع حتى شمل الحيوان والنبات والجماد والمجرات ، فما من ذرة إلا وعنصر الزوجية فيها موجود ، والآية قالت : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ) فكان فيما اكتشفه الإنسان حتى الآن في هذا الموضوع معجزة من معجزات القرآن.
١٢ ـ إن على الدعاة إلى الله أن يفطنوا إلى دقائق في التربية والدعوة تعرضها علينا نصوص الكتاب والسنة ، لأن التفطن لذلك يختصر لنا الطريق ، فمثلا ختمت سورة (ق) بقوله تعالى (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) فالذي لا يخاف وعيد الله له خطاب آخر ، أما الذي يخاف وعيد الله ، فيكفي أن نذكره بالقرآن ، حتى يثوب ، ومن ثم فعلى المؤمنين أن يذكر بعضهم بعضا بالقرآن إذا رأوا انحرافا من أنفسهم عنه ، وفي قوله تعالى في سورة الذاريات : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ما يدل على أن التذكير لا بد أن ينتفع به المؤمن ، ومن ثم فلا يصح أن يقول أحد منا : لا فائدة من الكلام فيسكت ، سواء مع إخوانه ، أو مع المسلمين ، فالمسلمون بفضل الله لا زال