ومن تقديم صاحب الظلال للسورة نقتطف ما يلي : (نزلت هذه السورة بعد سورة (الصف) السابقة. وهي تعالج الموضوع الذي عالجته سورة الصف ، ولكن من جانب آخر ، وبأسلوب آخر ، وبمؤثرات جديدة.
إنها تعالج أن تقر في أخلاد الجماعة المسلمة في المدينة أنها هي المختارة أخيرا لحمل أمانة العقيدة الإيمانية ؛ وأن هذا فضل من الله عليها ؛ وأن بعثة الرسول الأخير في الأميين ـ وهم العرب ـ منة كبرى تستحق الالتفات والشكر ، وتقتضي كذلك تكاليف تنهض بها المجموعة التي استجابت للرسول ، واحتملت الأمانة ؛ وأنها موصولة على الزمان غير مقطوعة ولا منبتة ، فقد قدر الله أن تنمو هذه البذرة وتمتد. بعد ما نكل بنو إسرائيل عن حمل هذه الأمانة وانقطعت صلتهم بأمانة السماء ؛ وأصبحوا يحملون التوراة كالحمار يحمل أسفارا ، ولا وظيفة له في إدراكها ، ولا مشاركة له في أمرها!
تلك هي الحقيقة الرئيسية التي تعالج السورة إقرارها في قلوب المسلمين. من كان منهم في المدينة يومذاك على وجه الخصوص ، وهم الذين ناط الله بهم تحقيق المنهج الإسلامي في صورة واقعة. ومن يأتي بعدهم ممن أشارت إليهم السورة ، وضمتهم إلى السلسلة الممتدة على الزمان.
وفي الوقت ذاته تعالج السورة بعض الحالات الواقعة في تلك الجماعة الأولى ، في أثناء عملية البناء النفسي العسيرة المتطاولة الدقيقة. وتخلصها من الجواذب المعوقة من الحرص والرغبة العاجلة في الربح ، وموروثات البيئة والعرف. وبخاصة حب المال وأسبابه الملهية عن الأمانة الكبرى ، والاستعداد النفسي لها. وتشير إلى حادث معين. حيث كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطبهم في المسجد للجمعة حين حضرت قافلة من قوافلهم التجارية ؛ فما إن أعلن نبأ قدومها حتى انفض المستمعون منصرفين إلى التجارة واللهو الذي كانت القافلة تحاط به ـ على عادة الجاهلية ـ من ضرب بالدفوف وحداء وهيصة! وتركوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائما. فيما عدا اثني عشر من الراسخين فيهم أبو بكر وعمر بقوا يستمعون! كما تذكر الروايات).
كلمة في سورة الجمعة ومحورها :
١ ـ تبدأ سورة الجمعة بما بدأت به المسبحات ، مع فارق أن فعل التسبيح فيها جاء بصيغة المضارع ، وأن اسمين آخرين للذات الإلهية قد ذكرا في الآية الأولى منها وهما