حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) وبعد الآيات الخمسة والعشرين الأولى من سورة البقرة والتي تتحدث عن التقوى ، وطريقها ، وأركانها ، ومظاهرها التي فصلت فيها سورة الحشر ، تأتي آيتان هما قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) هاتان الآيتان تتحدثان عن الأسباب التي يستحق بها الفاسقون الإضلال (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ ...). وسورة الممتحنة تأتي لتحدد للمؤمنين ما ينبغي فعله ، وما لا ينبغي فعله ليتحرروا من هذا كله ، ومن ثم ستلاحظ أن الآية الأولى من سورة الممتحنة تنهى عن موالاة أعداء الله سرا وعلانية ثم تقول : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ...) لاحظ الصلة بين قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) وبين قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) لتجد من خلال هذه الملاحظة صدق ما ذكرناه.
وتتحدث سورة الممتحنة عمن يجوز وصله ، وعمن لا يجوز ، كما تتحدث عن عقود واجبة البر كبيعة النساء ، وعقود لا تصح أصلا ، كما تتحدث عن مظاهر الإفساد في الأرض ، ولذلك صلاته بمحورها.
وقد يتساءل متسائل ، لماذا هذا التركيز كله على الآيات الأولى من سورة البقرة حتى ليكاد يكون قسم المفصل كله تفصيلا لذلك؟ ، والجواب : إن هذه المعاني التي ذكرتها الآيات الأولى من سورة البقرة عليها مدار الإسلام كله ، فبقدر ما تتعمق معانيها في النفس البشرية وتتضح يكون الإسلام قائما والأمر مستقيما. ولنعرض سورة الممتحنة على أنها فقرات كل فقرة منها مبدوءة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا).