النسفي : (أي : خوفا ؛ لأن من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك) (قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) بعد أن أعلموه أنهم رسل الله ، والمبشر به إسحاق عليهالسلام ، والبشارة تضمنت شيئين أن المبشر به سيكبر ويعطى العلم (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) أي : في صيحة (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي : فلطمت ببسط يديها وجهها ، وقيل فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي : أنا عجوز عقيم ، فكيف ألد؟ (قالُوا) أي : الملائكة (كَذلِكَ) أي : مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به (قالَ رَبُّكِ) أي : إنما نخبرك عن الله تعالى ، والله قادر على ما تستبعدين (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) في فعله (الْعَلِيمُ) فلا يخفى عليه شىء ، قال ابن كثير : أي : عليم بما تستحقون من الكرامة حكيم في أقواله وأفعاله (قالَ) إبراهيم (فَما خَطْبُكُمْ) أي : فما شأنكم وما طلبتكم وفيم أرسلتم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) وإنما سألهم لعلمه أنهم لا ينزلون إلا بأمر الله رسلا في بعض الأمور ، فأحب أن يعلم هل أرسلوا بالبشارة خاصة أو لأمر آخر أولهما (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي : قوم لوط (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) أي : حجارة السجيل ، والسجيل في الأصل : طين طبخ كما يطبخ الآجر حتى صار في صلابة الحجارة (مُسَوَّمَةً) أي : معلمة (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) قال ابن كثير : أي : مكتبة عنده بأسمائهم كل حجر عليه اسم صاحبه. قال النسفي : سماهم مسرفين كما سماهم عادين لإسرافهم وعدوانهم في عملهم ، حيث لم يقتنعوا بما أبيح لهم (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) أي : في القرية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني : لوطا عليهالسلام ومن آمن به (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : غير أهل بيت وهم أهل بيت لوط سوى امرأته ، قال النسفي : (وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد ، لأن الملائكة سموهم مؤمنين ومسلمين هنا) ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد (وَتَرَكْنا فِيها) قال النسفي : (أي : في قراهم) (آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي : علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم قال ابن كثير : (أي : جعلناها عبرة بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال ، وحجارة السجيل ، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة ، ففي ذلك عبرة للمؤمنين الذين يخافون العذاب الأليم) أقول : يفهم من كلام ابن كثير أن البحر الميت تشكل على أثر ما حل بقرى لوط ، قد يكون الأمر كذلك ، وقد يكون البحر موجودا من قبل ، وعلى أثر الخسف الذي حصل لقرى لوط ، امتد رواقه حتى غمرها ، والأمر يحتاج إلى تحقيقات متعددة لترجيح أحد هذين