وابن كثير عن وجه تفضيل الجنتين الأوليين على الأخريين ، قال النسفي : (إنما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأوليين حتى قيل : (وَمِنْ دُونِهِما) لأن (مُدْهامَّتانِ) دون (ذواتا أفنان) و (نضاختان) دون (تجريان) (وفاكهة) دون (كل فاكهة) وكذلك صفة الحور والمتكأ).
وقال ابن كثير : (هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن ، قال الله تعالى : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) وقد تقدم في الحديث : جنتان من ذهب ، آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، فالأوليان للمقربين والأخريان لأصحاب اليمين ، وقال أبو موسى : جنتان من ذهب للمقربين ، وجنتان من فضة لأصحاب اليمين ، وقال ابن عباس : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) من دونهما في الدرج ، وقال ابن زيد من دونهما في الفضل. والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه : (أحدها) : أنه نعت الأوليين قبل هاتين ، والتقديم يدل على الاعتناء ثم قال : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني ، وقال هناك : (ذَواتا أَفْنانٍ) وهي الأغصان أو الفنون في الملاذ ، وقال ههنا : (مُدْهامَّتانِ) أي : سوداوان من شدة الري من الماء ، قال ابن عباس في قوله : (مُدْهامَّتانِ) : قد اسودتا من الخضرة من شدة الري من الماء ، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (مُدْهامَّتانِ) قال : خضراوان ، وروي عن أبي أيوب الأنصاري ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد في إحدى الروايات ، وعطاء ، وعطية العوفي والحسن البصري ، ويحيى بن رافع ، وسفيان الثوري نحو ذلك ، وقال محمد بن كعب : (مُدْهامَّتانِ) ممتلئتان من الخضرة ، وقال قتادة : خضراوان من الري ناعمتان ، ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشتبكة بعضها في بعض وقال هناك : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) وقال ههنا : (نَضَّاخَتانِ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أي فياضتان ، والجري أقوى من النضخ ، وقال الضحاك : (نَضَّاخَتانِ) أي : ممتلئتان ولا تنقطعان وقال هناك : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) وقال ههنا : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم ولهذا ليس قوله : (وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) من باب عطف الخاص على العام ، كما قرره البخاري وغيره ، وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما ، وروى عبد بن حميد عن عمر بن الخطاب قال : جاء أناس من اليهود إلى رسول الله