يكذّبون الرسول مثلهم فهم كالشياطين في التمرد والعصيان (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بمحمد وأتباعه.
١٥ ـ (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ... أي يعاملهم معاملة المستهزئ ، أو يجازيهم على استهزائهم. (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) من مدّ الجيش وأمدّه أي زاده لا من المد في العمر ، فالمعنى : أنه يزيد في فسح المجال لطغيانهم. (يَعْمَهُونَ) يتحيّرون ويتردّدون ، والعمه هو التحيّر في البصيرة كالعمى في البصر.
١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) ... يعني باعوا دين الله واعتاضوا به الكفر بالله. فالشراء هنا لم يكن مبادلة ، أي أخذا وعطاء ، بل هو ترك وأخذ (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) والتجارة طلب الربح بالبيع والشراء ، والربح الفضل على رأس المال ، فهؤلاء المنافقون ، استبدلوا الهداية بالضلالة ، والطاعة بالمعصية ، والربح بالخسارة! .. فأيّة جهالة أسوأ من هذه؟ .. (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) لطرق الحق والصواب ، أي للتجارة التي فيها الربح الوافر.
١٧ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) المثل : في الأصل النظير ، ثم أطلق على القول السائر. ولا يضرب إلّا لما فيه غرابة. ومعنى الآية الشريفة : حالتهم العجيبة كحال من استوقد نارا أي طلب إشعال النار لارتفاع لهبها وسطوع نورها ، ليبصر بها ما حوله (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) أي انتشر نورها حول مستوقدها ليستضيء مع رهطه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) أطفأ نارهم فذهب النور ووقعوا في الظّلمة. وتوضيح التشبيه أن المنافقين بظاهر إيمانهم رأوا الحقّ وشاركوا المؤمنين في أحكام الإسلام. فلما أضاء نور الإيمان الظاهر ما حولهم ، وأبصروا فوائد الإسلام ظلوا على عنادهم وعاشوا في ظلمة ضلالهم. ثم أماتهم الله فصاروا في ظلمات عذاب الآخرة لا يجدون منها مفرّا ولا مناصا (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) خلّى بينهم وبين ما اختاروه من الإصرار على الضلال لا يرون بعيونهم ولا يفقهون بقلوبهم ، وهذا معنى تركه تعالى لهم.
١٨ ـ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : صمّ طرش عن سماع الحق ، بكم : عييّون عن النّطق به ، عمي : مكفوفو البصر عن رؤيته ومع أنهم مكلفون بالرجوع عن الضلالة إلى الهدى فهم لا يرجعون.
١٩ ـ (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) ... عطف على الذي استوقد. والصيّب المطر الذي يصوب أي ينزل بشدة ، والسماء يراد بها العلاء. ووجه الشّبه هو أن ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر ، وكما أن الأرض تحيا بالمطر ، فإن القلوب تحيا بالحق والهدى. فالتشبيه كان بلحاظ الحياة التي فيهما. (فِيهِ ظُلُماتٌ) أي في الصيّب الذي أريد به المطر. والظّلمات : ظلمة تكاثفه ، وظلمة غمامة ، وظلمة الليل. (وَرَعْدٌ) أي الصوت الذي يسمع حين يتولّد من احتكاك وتماسّ الذرات المؤلّف منها السحاب بعضها مع بعض حين تحرّكها بسرعة ، وهو مثل للتخويف والوعيد (وَبَرْقٌ) وهو ما يلمع منه ، ويتولّد من كهربة الاحتكاك. (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) الصاعقة نار تنزل من السماء عند قصف الرعد الشديد وومض البرق الخاطف. (حَذَرَ الْمَوْتِ) أي خوف الموت ، وخشية أن ينزل عليهم البرق بالصاعقة فيموتوا من صوتها الرهيب أو إحراقها. (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) مطوّق لهم.
٢٠ ـ (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) : وضعت لفظة (يكاد) لمقاربة الخبر من الوجود. والمعنى : قريب بأن يختلس البرق أبصارهم ، أي يذهب بها سريعا!. (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ) كلما صادفوا من البرق فرصة وميض انتهزوها ومشوا ، وإذا هبط الظلام وقفوا وتحيّروا. فكلما أضاء أي ظهر لهؤلاء المنافقين البرهان والحجة على ما يعتقدون (مَشَوْا فِيهِ) أي في نوره (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) وقفوا متحيّرين لا يرون سبيلا يسلكونه إذا رأوا في دنياهم ما يكرهون. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) يذهب سمعهم بقصف الرعد أو ظهور صوت الدعوة الكريمة ، ويذهب بصرهم بومض البرق وسطوع نور الإسلام. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) والشيء ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه وهو يعمّ الواجب ، والممتنع ، والممكن. وخصّصه العقل هنا بالممكن. والقدير هو القويّ الفعّال لما يشاء على ما يشاء. والله تعالى لا يعجزه شيء عن شيء.
٢١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) ... لفظة «يا» لنداء البعيد ، وربما استعمل في القريب منزّلا منزلته ، وإما لعظمته أو للاعتناء بشأن المدعوّ أو لغفلته. وكلمة «أي» وصلة إلى نداء المعرّف باللام لتعذّر دخول (يا) عليه. وقد أقحمت ياء التنبيه تأكيدا