٦٠ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ...) ألا تنظر ـ يا محمد ـ إلى الذين ادّعوا أنهم صدّقوك وآمنوا (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من التوراة والإنجيل (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) أي أن يجعلوه حكما في النّزاع الذي قد ينشأ بين المسلمين والكفار. والمقصود بالطاغوت هنا كعب بن الأشرف ، فإنه قد اختلف مسلمون منافقون مع يهودي فدعا اليهوديّ المسلمين إلى محمد (ص) ليحاكمهم عنده ، فقال المنافقون بل ندعوكم إلى كعب وهم يعلمون أنه ممن استزلّهم الشيطان وأنه طاغوت جبار لا ينبغي التحاكم إليه. (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي بالطاغوت الذي هو كعب وبكل طاغوت. (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) وينحرف بهم عن الحق. لأنه عرف فيهم النفاق وعرف أنهم من أتباعه.
٦١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ...) أي وإذا قيل لهؤلاء المنافقين تعالوا لنتحاكم طبق القرآن وما يحكم به الرسول (رَأَيْتَ) يا محمد هؤلاء (الْمُنافِقِينَ) الذين أظهروا الإيمان بك وأبطنوا النفاق (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) يعرضون عنك إعراضا ويحملون غيرهم على الإعراض عن الحق.
٦٢ ـ (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ...) أي : فكيف تكون حالهم ، وما يصنعون إذا نالتهم من الله عقوبة وحلّت بهم نكبة. (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي بسبب ما يفعلونه من النفاق والصدّ عنك (ثُمَّ جاؤُكَ) يا محمد بعد وقوعهم بالشدة. (يَحْلِفُونَ بِاللهِ) يقسمون الأيمان بالله ـ كذبا وزورا (إِنْ أَرَدْنا) أننا ما كنا نريد بالتحاكم إلى غيرك (إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) إلّا طلبا للتوفيق فيما بيننا وتخفيفا عنك نحسن إليك به ، وإبعادا لك عما يثير الضغائن والأحقاد ...
٦٣ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ ...) أولئك : إشارة إلى المنافقين الذين يعلم الله ما تنطوي عليه قلوبهم من النفاق والخيانة ممن فضحهم في الآيتين المتقدمتين. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) لا تعاقبهم وأشح بوجهك عنهم وذلك لمصلحة يعلمها الله. (وَعِظْهُمْ) بتخويفهم من الله (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي في حال خلوتك بهم إذ النصح في السر أشد تأثيرا من القول جهرا. (قَوْلاً بَلِيغاً) أي قولا قويّا مؤثرا فيهم قيل هو تخويفهم بالقتل بسبب جريمة نفاقهم عند إظهاره.
٦٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ ...) أي ما بعث الله نبيا إلّا ليكون مطاعا فيما يأمر به أو ينهى عنه (بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمر محتوم منه سبحانه. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) فلو أن هؤلاء القوم لمّا ظلموا أنفسهم بالنفاق (جاؤُكَ) تائبين (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) طلبوا أن يغفر لهم ما بدر منهم من ظلم (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) أي وطلب الرسول المغفرة منه سبحانه (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) أي متفضلا عليهم بقبول التوبة ، وبالرحمة ...
٦٥ ـ (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ...) أي : فو ربّك لا يصيرون مؤمنين صادقين فيتخلوا عن خصلة النفاق التي تجرهم إلى الهلكة. (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) يتقاضون إليك ويرضون بكل ما تحكم به (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أي في اختلافاتهم وما التبس عليهم من الأحكام (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) أي لا يحصل لهم ضيق مما حكمت به ولا تبرّم (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وينقادوا لحكمك انقيادا راضيا بظاهرهم وباطنهم.