١٢٢ ـ (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ ...) أي اذكر أيضا حين عزمت جماعتان من المسلمين (أَنْ تَفْشَلا) أي تجنبا عن القتال وتنكصا عنه وهما بنو سلمة وبنو حارثة. (وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي والله ناصرهم وعليه فليتوكل المؤمنون في جميع أمورهم. وهذه الآية تدل على أن الطائفتين المشار إليهما لم تنفذا ما همتا به بلطف الله سبحانه.
١٢٣ ـ (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ...) فإنه سبحانه يذكر المسلمين الحرب في موقعة بدر ، ونصره لهم فيها بإمدادهم بالملائكة وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم في حين كانوا ضعفاء لقلة عددهم وعددهم بالنسبة إلى المشركين. (فَاتَّقُوا اللهَ) تجنبوا سخطه بتجنب معاصيه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لتؤدوا لله الشكر على نعمته.
١٢٤ ـ (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ...) يا محمد : اذكر حين كنت تقول للمؤمنين في بدر (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) ألا يعد كافيا لكم (أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) أي يعطيكم مددا (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) أنزلهم الله من السماء إلى الأرض لمساعدتكم ومؤازرتكم.
١٢٥ ـ (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ...) أي : بلى يكفيكم وقيل بلى يفعل الله كما وعدكم. وعلى كلا التقديرين فإن امدادكم بالملائكة مشروط بصبركم على الجهاد وبأن تتقوا الله بتجنبكم معاصيه وثباتكم على طاعته (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ) الفور : هو العلو. أي يهجم عليكم أعداؤكم من ناحية علوهم عليكم بقوة العدد والعدة. وفي (هذا) الوقت (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) سواء كانت نفس الملائكة التي نزلت ببدر مع إضافة ألفين جديدين أو غيرهم. (مُسَوِّمِينَ) أي معلمين بعلامة يعرفون بها.
١٢٦ ـ (وَما جَعَلَهُ اللهُ) أي ما وعدكم وقدر نصركم هذا بالملائكة (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) سوى بشارة لكم بأنكم الغالبون (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي لترتاح قلوبكم وتسكن إلى هذا الإمداد بعد خوفها (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ولعله سبحانه أراد أن يفهمهم بأنه هو تعالى الناصر الحقيقي ولا يكون النصر إلا من عنده حتى مع إمداده لهم بالملائكة. (الْعَزِيزِ) الذي لا يغلب (الْحَكِيمِ) في تدبيره.
١٢٧ ـ (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) القطع هو الجزّ والإبانة والمعنى أنه سبحانه ينصر رسله على الطوائف التي تناوئهم طائفة طائفة توطئة لقطع دابر الذين كفروا ولم يؤمنوا بالله. ويهلكهم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) يكبتهم أي يخزيهم بالهزيمة وقيل : الكبت هو إبقاء الغيظ والحقد في الصدر فينقلبوا ، أي : يرجعوا بالانقطاع عما أملوا ، بالخيبة والخسران في الدنيا والآخرة.
١٢٨ ـ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ...) ليس لك يا رسول الله أن تتصرف في أمر هؤلاء فإن الله هو مالك أمرهم ، فإما أن يهلكهم ويخزيهم ، وإما أن يتوب عليهم إن تابوا وأقلعوا عما هم فيه ، أو يعذبهم إن أصروا ... (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) أي مستحقون للعقاب بسبب ظلمهم. وعبارة : فإنهم ظالمون هي في ظاهرها تعليل لحالهم ولكون مآلهم إليه سبحانه فهو يتوب عليهم أو يعذبهم بحسب الشروط التي يستحق بها العبد قبول التوبة أو العذاب.
١٢٩ ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) أي هو مالك أمورها جميعا ، وبيده زمام الموجودات التي فيها طرّا. (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لمن يذنب من المؤمنين تفضلا (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممن لم يؤمن ولم يتب من الشرك أو الذنوب عدلا (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كثير المغفرة واسع الرحمة.
١٣٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...) خطاب وإن كان موجها إلى جماعة المؤمنين إلا أنه شامل فيما تضمنه من حكم إلى الناس جميعا (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) أي الزيادة على أصل المال ، وذلك يضاعف بالتأخير إلى أجل بعد أجل وقد ذكر الأكل في النهي عن الربا لكون معظم الانتفاع يعود إليه لما فيه من إشباع الحواس (وَاتَّقُوا اللهَ) أي عقاب الله باتقاء معاصيه. وخاصة تلك التي تؤدي إلى فساد النظام الإنساني (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وعسى أن تكونوا من الفائزين برضى الله.
١٣١ ـ (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ...) تجنبوا المعاصي التي توجب دخولكم النار التي هيئت للكافرين.
١٣٢ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ...) وأطيعوا الله فيما أمر والرسول فيما شرع فإنكم إن فعلتم ذلك تصيرون موردا لرحمته الواسعة سبحانه.