٦٢ ـ (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ...) أي الذي قصّ من نبإ عيسى هو الحديث الصدق فيما ينبغي أن يقال فيه (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) تنبيه وتذكير للنصارى بأن عيسى ليس إلا من جملة عباد الله ورسله. فالألوهية لله وحده الذي لا إله غيره (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي المتفرّد في القدرة الكاملة ، وذو الحكمة البالغة.
٦٣ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ ...) أي إذا انصرفوا ومالوا عن تصديقك وأعرضوا عن دعوتك فإن الله (عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) عارف بمن يريد الفساد في دينه. وهذا وعيد لهم.
٦٤ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ ...) قد يراد بالكتاب الجنس ، أي مطلق كتاب سماوي ، وقد يراد الكتابان الرائجان في ذلك العصر وهما التوراة والإنجيل والخطاب هنا متوجّه إلى وفد نصارى نجران ولكن خصوصية المورد لا تخص الوارد فيصح أن يكون موجها إلى كل أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقل لهم يا محمد (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي هلموا إلى كلمة عدل بيننا وبينكم (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) أي لا نقصد بالعبادة إلا الله ولا نشرك معه أحدا فيها. (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) أي لا يعبد بعضنا المسيح لأنه كان من بعض الناس ولا نقول إنه ابن الله. أو عزير بن الله ولا نطيع الأحبار والرهبان فيما أحدثوا من التحليل والتحريم فهو من العبودية لهم أيضا. (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا) فإذا أعرضوا عن الدعوة إلى توحيد الله فقولوا (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) مستسلمون منقادون لله وحده. واستشهدوهم على ذلك.
٦٥ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ : لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ ...) لم تجادلون في إبراهيم منكم من يزعم أنه كان يهوديا ومنكم من يزعم أنه كان نصرانيا. (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) إذ وجد إبراهيم قبل موسى بألف سنة وقبل عيسى بألفي سنة (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إذ كيف يكون إبراهيم على دين وجد بعد عهده بعشرات القرون! فهل تتفكرون فيما تقولون من الجدل غير العقلائي؟
٦٦ ـ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ...) كلمة : ها ، للتنبيه. والمعنى أنكم أنتم يا معشر اليهود والنصارى (حاجَجْتُمْ) أي جادلتم. (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) مما سمي في التوراة والإنجيل (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) فكيف تجادلون فيما تجهلونه من دين الله. (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما كان دين إبراهيم لأنه محيط بكل شيء علما. (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك وعلى الجاهل أن يرجع إلى العالم. في هذا الزعم الخاطئ وهذه الدعوى الباطلة.
٦٧ ـ (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا ...) نفى كون إبراهيم (ع) من هؤلاء أو من هؤلاء ، وكذلك موسى وعيسى لأن الملّتين محرّفتان ولأن الدين عند الله الإسلام والتسميتان ما أنزل الله بهما من سلطان. (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً) أي مائلا عن الأديان كلها إلى دين الإسلام (مُسْلِماً) في عقيدته (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين يجعلون مع الله إلها آخر من اليهود كانوا أو النصارى أو مشركي العرب.
٦٨ ـ (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ ...) أي أحق الناس به (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) المؤمنون بنبوته في زمانه ، (وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق ، وهم الذين يحق لهم أن يقولوا : نحن على دين إبراهيم (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) لأنه يتولى نصرتهم.
٦٩ ـ (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) أي تمنّى جماعة منهم (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) يهلكونكم بحرفكم عن الإيمان وقيل بأنهم اليهود (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي وما يلحق وبال إضلالهم إلا بهم لأنكم لن تستجيبوا لهم (وَما يَشْعُرُونَ) وما يعلمون عودة الضرر عليهم وقيل : وما يعلمون أنهم ضلّال لجهلهم المركب.
٧٠ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ...) أي كيف تنكرون آيات الله التي نزلت في الكتابين بنعوت محمد (ص) وصفاته ونبوته (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) تعلمون وتشاهدون ما يدل على صحتها في التوراة والإنجيل.