٤٣ ـ (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أي ذليلة منكّسة إلى الأرض من الفزع والندم (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) تغشاهم مهانة (وَقَدْ كانُوا) في الدنيا (يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) لربّهم (وَهُمْ سالِمُونَ) ناجون من هذه الآفات.
٤٤ و ٤٥ ـ (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ...) أي يا محمد ، خلّ بيني وبين المكذبين بهذا القرآن (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) سنأخذهم للعذاب استدراجا (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) فيصلون إليه دون أن يشعروا (وَ) أنا (أُمْلِي لَهُمْ) أطيل أعمارهم ولا أستعجل عذابهم لأنهم لن يهربوا من ملكي (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) إن تدبيري قويّ محكم وعذابي شديد.
٤٦ و ٤٧ ـ (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً ...) أم تسأل يا محمد هؤلاء الكفّار أجرا على أداء الرسالة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي فإنهم يستثقلون لزوم ذلك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي هل عندهم معرفة صادقة بصحة ما يزعمونه ولا يعرف ذلك غيرهم (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) يسجّلون ذلك الذي يزعمونه ويتوارثونه وينبغي أن يبرزوه.
٤٨ و ٥٠ ـ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ ...) إلخ أي اصبر يا محمد على ما تلقاه في سبيل إبلاغ دعوتك إلى أن يحكم الله تعالى بنصرك عليهم ولا تكن كيونس الذي استعجل عقاب قومه وخرج عنهم قبل أن يأذن الله له فنادى ربه لا إله إلا أنت إلخ (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) لو لا أن أدركته رحمة ربّه وشمله عفوه (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) أي طرح في الفضاء (وَهُوَ مَذْمُومٌ) ملوم على ما فعله (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) اختاره نبيّا (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) المرضيّين عنده المطيعين له.
٥١ و ٥٢ ـ (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ ...) أي يوشك ويقارب الذين كفروا أن يزهقوك بأبصارهم فيقتلوك بالإصابة بالعين. وقيل : ينظرون إليك نظر عداوة وبغض بحيث يكادون يصرعونك بحدّة نظرهم. (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) حين سماع تلاوته للقرآن (وَيَقُولُونَ) حينئذ : (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) قد غلب على عقله (وَما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) شرف (لِلْعالَمِينَ) للناس وسائر المخلوقات.
سورة الحاقة
مكية ، عدد آياتها ٥٢ آية
١ إلى ٣ ـ (الْحَاقَّةُ ...) الحاقة : من حقّ ، أي وجب. وهي هنا تعني القيامة لأنها يوم المحاقّة والمخاصمة وإعطاء كل امرئ ما يستحق (مَا الْحَاقَّةُ) استفهام معناه التعظيم لشأن يوم القيامة. ثمّ زاد في التخويف منه بقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) وأنت لا تعلمها إذا لم ترها بعينك ولم تشاهد أهوالها.
٤ إلى ٨ ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ ...) أي كذّب هؤلاء القومان بيوم القيامة الذي كنّ سبحانه عنه بالقارعة لأنها صفة له هائلة جعلها بعد الكناية بالحاقّة (فَأَمَّا ثَمُودُ) قوم صالح (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) يعني أبيدوا بالصيحة الطاغية التي تجاوزت المقدار الذي يحتمله الإنسان وقيل : بطغيانهم وكفرهم (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) أي دمّروا بالريح الشديدة البرد التي عتت في هبوبها وبردها (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) أي سلّطها الله عليهم (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) وهي الأيام التي تدعوها العرب : أيام العجوز سميت بذلك قيل لأنها تأتي في عجز الشتاء وقيل غير ذلك (حُسُوماً) أي متابعة ليس بينها فترة (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) أي مصروعين في تلك الأيام والليالي (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) أي كأنهم أصول نخل بالية قد نخرها القدم (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) أي من نفس باقية.