٢٢ ـ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ ...) أي فسح صدره ووسّع قلبه لقبول الإسلام والثبات عليه. ونزلت
هذه الآية في علي (ع). (فَهُوَ عَلى نُورٍ
مِنْ رَبِّهِ) أي على يقين وهداية والخبر محذوف أي كمن طبع على قلبه ، (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ
ذِكْرِ اللهِ) أي من ترك ذكره سبحانه أو من أجل ذكره تعالى ، وهي كلمة
التوحيد. أي كلّما ذكرت عندهم هذه الكلمة ضاقت قلوبهم وزادت القساوة فيها فلم
يتّعظوا بالترغيبات ولم ينزجروا بالترهيبات (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ
مُبِينٍ) على وجه لا يستر ولا يخفى ضلالهم وعدولهم عن الحق على أحد
وقد نزلت في أبي لهب وولده.
٢٣ ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ...) أي القرآن سمّاه حديثا لأنه كلام الله. (كِتاباً مُتَشابِهاً) أي يشبه بعضه بعضا في الإعجاز وغيره. (مَثانِيَ) هذه صفة أخرى للكتاب أي يثنّى فيه القول ويتكرّر قصة كان
أو موعظة أو خبرا أو حكما. (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي ترتعد خوفا من وعيده ، (ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي بعد الارتعاش وارتعاد القلوب والخوف من الوعيد تلين
جلودهم وتطمئن قلوبهم عند سماعهم آيات الوعد بالثواب والرحمة. (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ
يَشاءُ) أي الكتاب المنزل هاد إلى الله تعالى بما فيه من نصب
الأدلة على وجوده ووحدانيته وصفاته وأصول العقيدة الأخرى. يرشد به من عباده من
يشاء كما يرشدهم على أيدي أنبيائه ورسله. (وَمَنْ يُضْلِلِ
اللهُ) أي الذي يخلّي بينه وبين نفسه ويخذله (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يخرجه من ضلالته.
٢٤ ـ (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ ...) أي بأن تغلّ يداه إلى عنقه فلا يتّقي عن نفسه إلّا بوجهه (سُوءَ الْعَذابِ) شدّته (يَوْمَ الْقِيامَةِ) يوم الحشر الأكبر ، ليس كمن أمن من العذاب (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما
كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) من جزاء أعمالكم السّيئة وأقوالكم الموجبة للكفر.
٢٥ و ٢٦ ـ (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي قبل كفرة مكة ومشركي قريش (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ
مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني من جهة لا تخطر ببالهم (فَأَذاقَهُمُ اللهُ
الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي الذّل كالمسخ والقتل والخسف والإجلاء عن أوطانهم (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي أعظم وأدوم (لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ) لو كانوا من أهل النظر والاعتبار.
٢٧ ـ (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا
الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ...) أي ما يحتاج إليه الناظر في أمر دينه ، بل ذكر فيه ما
يحتاج إليه الناظر في أمر دنياه (لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ) لكي يتذكّروا ويتدبّروا فيعتبروا.
٢٨ ـ (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ
...) أي غير ذي ميل عن الحق بل هو طريق مستقيم موصل إليه. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لكي يتجنبوا معاصي الله ويعملوا بطاعاته.
٢٩ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ ...) هذا مثل جاء به سبحانه للمشركين الذين يعبدون الآلهة
المتعدّدة ، فحالهم كحال رجل قد اشترك فيه (شُرَكاءُ
مُتَشاكِسُونَ) أي شركاء في ملكيّته وبينهم تنازع واختلاف كثير يتجاذبونه
في مهامّهم المختلفة ، وإذا احتاج العبد لأمر من أموره فكلّ واحد يردّه إلى الآخر
فهو لا يعرف أيّهم أولى بأن يطلب رضاه ، وأيّهم أولى بأن يقوم بحوائجه ، فهو لهذا
السّبب في عذاب دائم ما دامت حياته ، وكذلك المشرك متحيّر في الآلهة فأيّهم أولى
بأن يعتكف بخدمته ويقوم بعبادته وطاعته ومن أيّهم يطلب إنجاح طلبته وقضاء حاجته
ولأيّ منهم يتوجه ، فلا يرى أثرا من نجح طلبه فلا زال متحيّرا في أمر رزقه ومعاده
ومعاشه ، بخلاف الموحّد (وَرَجُلاً سَلَماً
لِرَجُلٍ) أي خالصا له ويخدمه على سبيل الإخلاص ، ودائما يكون في
طاعته وهذا مثل للموحّد. أمّا هذا المثل فضربه الله في قبح الشّرك وحسن التوحيد.
ثم قال سبحانه : (هَلْ يَسْتَوِيانِ
مَثَلاً) أي لا يستويان. والاستفهام للإنكار. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي احمدوا الله المستحق للحمد والثناء ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) حقيقة نعمة التوحيد.
٣٠ و ٣١ ـ (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
...) أي كلكم في صراط الموت والفناء وترقّب الفاني لموت فإن
مثله ، وشماتته به لا معنى لها. (ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) أي تحتجّ عليهم بأنك قد بلّغت رسالات ربّك وأنّهم كذّبوا ،
ويعتذرون بما لا يجدي وكذلك يختصم كل محق ومبطل ومظلوم وظالم.